ملتقطات متناقضة/خاص مقالات الدكتور إبراهيم

الجزء الثاني والأخير : أماني ربع أبي خليف

مرت أيام قليلة في أحدها طلعت شمس اليوم الجديد وكالعادة
إلا أن الطلاب الذين اعتادوا على الشراء قبل المدرسة مروا وانصرفوا بدون شراء ما يشتهون لأن أبا خليف لم يفتح باكرا ككل اليوم .
أقبل أبو محمد يتوكأ عصاه وله غبار حوله فرجلاه الحافيتان تثير ما حوله كثيرا وهو يمشي يتوقف كل مسافة يلتقط أنفاسه لكبر سنه وبدانته التي لا تخفى فتسبقه موجة الغبار مصورة توقف سيارة كبيرة في طريق غير معبد ..
سبقه إلى فوهة دكان أبي مليح !
ذاك الذي أنهك جسمه هدم بناء بيوت الطين بيديه المتشققة وصفير صدره وهو تنفس جراء خلط الطين واستنشاق الأغبرة
إنه رويتع كان ينظر لأبي محمد وهو يلتقط أنفاسه ككرة آلة قياس ضغط الدم والمختص يضغطها ثم يتوقف ثم يضغطها ثم يتركا مرارا حتى يتأكد من قراءة القياس الصحيحة لضغط الدم
أخيرا ألقا ابو محمد نفسه جالسا على الأرض فجلجل صوت يشبه صوت سقوط داجن من علو على سطح اسمنتي قائلا : يارب عفوك
أين صاحبنا ليست عادته ما يفتح الدكان حتى الأن ..
رويتع : سلم وصبح قبل ثم قل ماتريد .
أبو محمد : السلام عليكم وصبحك الله بالخير . اليوم براسك شر تبي مقاضب شوش ..
رويتع : فيني قلق على صاحبنا ما صلى الفجر معنا ..
فجأة مرت من امام المحل أم سعدان حاملة كيس خبز يوميا تذهب لمخبز المعلم قايد الذي يُقدم أي امرأة تريد خبزا قبل الجميع الذين كانوا ينتظمون في ترتيب محترم في ممارسة حضارية في احترام اسبقية الترتيب .
أم سعدان بطيفها الأسود الذي لا تستبين من تقاسيمها سوا طولها
من هذه العباءة التي يمتد طرفها من الخلف مترا وزيادة الذي يغري بعض السفهاء بالقفز على الطرف يمينا وشمالا وأحيانا عمدا او خطأ يدوسون طرف ذيلها فإن كانت تحمل شيئا يسقط وتتعثر لكنها ترف صوتها بالدعاء لهم بالصلاح ..
توقفت أم سعدان وقالت : أحسن الله عزاءكم بأبي خليف وسيصلون عليه الظهر ..
نطق ابو محمد ورويتع بتوافق ( دويتي) وشلون ومن قال لك !
ولدي سعدان رفيق خليف ما جاء للبيت إلا الفجر مع خليف عند أبي خليف وأنه مات قبل الفجر .
حوقل الرجلان ودمعت عيونهم كما طفلين أُخذت هدايا العيد منهما قسرا ..
بذلك أُسدل الستار على مسرح حي هو مدار الرحا في هذا الحي
الذي فرمته طاحونة التنمية لتحل بدله مجمعات تجارية وسكنية عندما ازورها تتراكم الذكريات حتى اختفي بينها في أسف دفين
وشوق لحقبة انقطع الأمل في استرجاعها .
تنقلت في اصقاع الأرض ولم يزل حبي لتلك البقاع التي سقت طفولتي وريعان شبابي الذي بدأ يتوارى ويختفي بين الأيام التي ليس في يدي خزانتها ..
ودمتم سالمين ،،،،،،،

د/ إبراهيم بن عبدالله العبدالرزاق
المملكة العربية السعودية
القصيم – بريدة .

ابراهيم العبدالرزاق

كاتب عام في شؤون الحياة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى