وهج المشاعر

أجنحةُ الأبناء

 

الفراغُ الذي أحدثتْه لم يكن مجرَّدَ تجويفٍ يسدُّه أيُّ شيء، كانت شيئًا آخر في رقتها وعذوبتها، ابتسامتها وخجلها، شفقتها وعطفها، عندما غادرتِ المكانَ بقيتِ الغرفةُ جوفاءَ أشبهَ بجذعٍ يابسٍ منحوتٍ لاحياةَ فيه، على ظهرِ الحجرةِ من الخلفِ صوتُ عصفورٍ يبدو جائعًا، يغردُ بصوتٍ مبحوح، لم تَكفِه قطراتُ الماءِ الهاربةِ من الأوراقِ القريبة ، ظلَّ العصفورُ ينتظرُ وينتظر، لم يعلَمْ أنها غابتْ عن غرفتها، يطيرُ ثم لا يلبثُ أن يعودَ إلى مكانه، هجرَ الشجرةَ القريبةَ على الرغمِ من اخضرارِها وترَكَ عشَّه المعلَّقَ وقد صنعَه بعناية، وبين الجدرانِ الأربعةِ تموءُ قطةٌ بيضاءُ أليفة، تتمسَّحُ بجوانبَ الأرائك، وتمسحُ بذيلِها الأشياءَ التي تغرقُ في الصمت، تبرقُ عيناها وكأنها تسألُ عن الغائبةِ المفقودة، صمتٌ يملأُ المكان، النوافذُ المطلةُ على الحديقةِ لم تعد تجذبُ الطيورَ البيضاء، لم يبقَ على حوافِّ النوافذِ حبوبٌ حمراءُ كالمعتاد، نفدَ كلُّ الطعامِ الذي يشهدُ لحظةَ التغريدِ التي تتضوَّعُ بالفرح، فجأةً انفتحَ البابُ دون موعد، هبَّتْ ريحُها في الغرفة، فتحتِ النافذةَ لترى أثرَ غيابها ، أقبلتِ العصافيرُ وتجمعتْ على سياجِ النوافذ، اصطفتْ بإلهامٍ عجيبٍ تنشدُ أنشودةَ العودة، نثرتْ لها الحبوبَ على كلِّ النوافذ، تراجعتْ للخلفِ بعد اطمأنتْ بأن العصافيرَ بخير ، داستْ على ذيلِ القطةِ الأليفة فلم تُصدر صوتَ فزعٍ كعادةِ القطط ، وضعتْ لها طعامَها المعتاد ، تألقتْ عينا القطةِ في الغرفةِ المظلمةِ من الفرح ، استرختْ على الأريكةِ من تعبِ الغياب ، عادت لتضيءَ غرفتَها ، اتجهتْ لكلِّ النوافذِ لترى العصافيرَ المحلقةَ في فضاءِ الحديقة، وقفتْ وأمسكتْ بسياجِ إحدى النوافذ، أصدرتِ العصافيرُ صوتًا واحدًا، قفزتِ القطةُ على النافذةِ لتشاركَ العصافيرَ الفرحة ، حملت كيسًا من الحبوبِ واتجهتْ للخارجِ ونثرته على الأرضَ بينما الطيورُ تظللها ؛ قررتْ أن تبقى بجانبِ أبنائها الذين وُلدوا ومعهم أجنحة.

 

محمد الرياني
أديب إعلامي تربوي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى