شخصية في المجتمع

د. نوف البنيان … التاريخ هو دراسة الماضي لفهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل

ما نحن إلا سفراء لتاريخنا الإسلامي وديننا الحنيف

إن الحياة بدون هدف أو غاية يبذلها الإنسان للوصول لمبتغاه تكون حياة يسيطر عليها الملل والجمود، ولابد من المضي في تحقيق ما نحلم به ونتمنى الوصول إليه وعدم الرضوخ لليأس.
ضيفتنا شخصية تحدت الصعاب وتخطت العثرات بكل عزيمة وإصرار حتى وصلت إلى النجاح الذي تفتخر به، فهي مثال للإرادة الصلبة والعزيمة القوية والعقلية الفذة المتنورة، إنها في مجملها امرأة تسلحت بالعلم وشقت طريقها رغم الصعوبات والمعوقات لتصل إلى غايتها المثلى وهدفها المرسوم وتصبح اليوم مثال يحتذى به في الجد والاجتهاد والكفاح والمثابرة ولتكون محل اهتمامنا فنحاول من خلال لقائنا بها أن نسلط الضوء على مسيرتها الحافلة بالإنجاز.

إنها الدكتورة القديرة نوف بنت بندر البنيان، ونحن نقترب من ألق حضورها وبهاء تجليها علينا نستفتح حوارنا معها بسؤال عن شخصها، فمن هي الدكتورة نوف البنيان؟
_ نوف بنت بندر البنيان من مواليد مكة المكرمة، نشأت تحت وريف أسرة كريمة، بين أم غمرتنا بالحنان والحب وأب كريم عاشق للعلم، عززا ثقتي بقدراتي وذاتي، وضعا مخافة الله هدف أسمى في حياتي، علماني أن الحياة لا تستقم إلا بمبدأ، وأن الإنسان بلا مبدأ لا قيمة له، تدرجت في مراحل التعليم وتخرجت من قسم التاريخ التابع لكلية الشريعة بجامعة أم القرى، تعاملت مع التاريخ والتخصص كرسالة توجب علي تأديتها بأمانه، فما نحن إلا سفراء لتاريخنا الإسلامي وديننا، اندرجت في سلك التعليم تحت إدارة تعليم مكة المكرمة، وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه في التخصص، وكل ذلك توفيقا من الله –عز وجل- وانتقلت للعمل الأكاديمي بجامعة حائل قسم العلوم الاجتماعية، وأسأل الله العلي القدير أن يحسب أعمالنا لوجهه الكريم، وأن نكون فوق المأمول لخدمة ديننا ووطننا.

_ د. نوف حصلت على الماجستير بتقديم بحث بعنوان ( تعلم الأوربيين اللغة العربية وأثر ذلك في نقل الحضارة الإسلامية إلى أوروبا من مطلع القرن 2هـ/ 8م وحتى نهاية القرن 6هـ/ 12 م) (دراسة تاريخية حضارية) .. فما هو الهدف من هذا البحث؟ و هل لقي إقبالاً من وزارة التعليم؟
_ نعم عزيزتي، كان اختياري لهذا الموضوع متزامن مع بداية اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بموضوع الحوار بشقية (الديني والحضاري ) وزيارته للفاتيكان معبرا عن الصورة الحقيقية للإسلام الذي شرّع أبوابه للعالم منذ آلاف السنين، وسلّطت الضوء في رسالتي على اهتمام الأوروبيين باللغة العربية وعلوم العرب. واستشهدت بالدفعات التي تضمنت أبناء ملوك أوروبا الذين انضموا لجامعة قرطبة ليستقووا منها العلوم،  وهذا الموضوع له شجون في نفسي، حيث أن البعض تخلى عن اللغة العربية؛ بل أصبح من يتحدث بها فقط ليس له حظا في كثير من المجالات، وبات اللسان العربي غريب، بعدما كان يحتل الصدارة في العصر الوسيط، وتمنيت لو يعود بنا الزمن ونستقبل المبتعثين لتعلم العربية وعلومها، كما كان أسلافنا، فحضارتنا لم تمنع من العلم قط ، وكانت الأولى والأجمل عالمياً، فكان بحثي يدور حول هذه المحاور والتركيز فيها على ثقافة الائتلاف ونبذ الاختلاف بين البشر على كافة دياناتهم ومذاهبهم، و أعراقهم وأصولهم .
وبحثنا تمت طباعته، ولكننا شرعنا في تطويره بحيث يربط بين الماضي والحاضر؛ لإبراز دور المسلمين العلمي وأثره على أوروبا، ودعمه بشواهد حضارية وأثرية وتراثية في أوروبا، هي في الأساس مقتبسة من الحضارة الإسلامية. ونقلت بلغة العرب ” اللغة العربية”.

_ بما أنكِ مشاركة في خدمة المجتمع ما هي أهم الخدمات المقدمة من قبلك وأهم الدورات التي قمتِ بالتدريب فيها؟
_ سأتحدث هنا عن مسؤوليتي كباحثة في علم التاريخ ومسؤوليتي كمواطنة سعودية. فكما ذكرت سابقاً تقع على عاتقنا مسؤولية عظيمة تجاه التاريخ الإسلامي وكل ما يتعلق به من أوجه حضارية، وواجب علينا تسليط الضوء على مكامن القوة في التاريخ الإسلامي، والشخصيات الإسلامية المميزة، ومن خلال اللقاءات والندوات وورش العمل أقوم بتغذية هذا الجانب لتحفيز دور الشباب المسلم وتعزيز ثقته بدينه وبنفسه ،فنحن أمة محمد ﷺ ، وفي شخصيته ﷺ مادة علمية غزيرة كفيلة بتنمية وتطوير الذات، وكل شعارات الدورات التي انتشرت في المجتمعات اليوم لها أصل في السيرة النبوية الشريفة، وربط ذلك تاريخياً وعملياً يسهم في تهيئة النفس وتعزيزها وزيادة تمكينها.
ومجالات مشاركاتي المجتمعية لها هدف أساسي مشتق من تلك الصورة، وتندرج بعدها عدة أهداف منها:
المساهمة الوطنية في بناء جيل واعي، وتطوير قدرات الشباب، وتغذيتهم بما نستطيع من معلومات ووسائل تسهم في تحقيق الهدف المنشود، وتبعا لذلك تنوعت مشاركاتنا ما بين الوطنية، وتنمية القدرات وتطوير الذات ؛ ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر: المدرب القدوة محمد ﷺ، والشراكة المجتمعية، ونشر متطلبات رؤية 2030، والتفكير الإبداعي وعلاقته بجودة التعليم الجامعي، والجودة الشخصية لعضو هيئة التدريس، والثقة بالنفس وتقدير الذات، وفن الإتيكيت، وركزنا على أصلها المنبثق من الدين الإسلامي.
وقدمنا العديد من المحاضرات من أبرزها :
“الحضارة والقيمة المرجعية” وكانت برعاية كريمة من سمو الأميرة الجوهرة بنت فهد آل سعود -حفظها الله,- والمشاركة أيضاً في العديد من الندوات الوطنية وأهمها ندوة :” رؤية 2030 بين طموحات الجد وإبداع الحفيد” تحت رعاية إدارة التعليم بمنطقة حائل، وندوة ” الدلالات التاريخية والحضارية ليوم التأسيس” برعاية مجموعة قضايا وطنية .
كما شاركت بالعديد من البرامج في الأيام العالمية، مثل يوم حقوق الإنسان العربي، واليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، والأيام العالمية للغة العربية، ورعاية المسنين، ويوم التأسيس، واليوم الوطني السعودي، وغيرها.

ونؤكد هنا أن زكاة العلم نشره، وعلى الإنسان أن يحرص كل الحرص على أن يكون عضو نافع في وطنه ويحقق المواطنة الحقيقية بكل ما يملك من إمكانات وقدرات.
ولا ينتظر نظير ذلك سوى رضا رب العالمين، أسوة بالسلف الصالح اللذين وهبوا أعمارهم للعمل لوجه الله تعالى.

_ يشهد الوطن نقلة نوعية حضارية وتنموية شاملة، فما هو تقييمك لهذه التحولات الوطنية الكبرى على كافة الأصعدة؟
_ لله الحمد والمنة على ما نحن فيه من تطور مذهل أدهش العالم، بالفعل وصلنا إلى العالمية وذلك بفضل الله، ثم بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله-وولي عهده الأمين قائد الرؤية والتغيير صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود. ومنذ عام 1436هـ/2017م، والعالم يترقب نتائج رؤية 2030، واعتقد أن الجميع لمس وشاهد نتائجها قبل حلول 2030، ومن وجهة نظرنا أن المرتكزات التي قامت عليها الرؤية وحسن التخطيط والمتابعة من حكومتنا الرشيدة، أسهمت جميعها في تحقيق أهدافها في وقت قياسي، فحري بكل مواطن سعودي أن يفتخر بما وصلنا إليه من نماء وازدهار، ويحافظ عليه.

_ حصلتِ على الدكتوراه بتقديمك أطروحة تتكلم عن الدور الحضاري الموريسكيين في مدن المغرب (تطوان1-شفشاون- سلا) أنموذجاً خلال القرنين 10_11 هـ / 16 – 17 م( دراسة تاريخية حضارية ) ما هي المصادر الرئيسة في دراسة التاريخ بالنسبة لك؟ ولماذا اخترت التاريخ الأندلسي كتخصص لك؟
_ التاريخ هو دراسة الماضي لفهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، ولا يوجد من المصادر ما يتقدم القرآن الكريم في عرض كثير من السنن الكونية والقصص التاريخية، والتعميمات التي استقى منها مؤلفوا أمهات الكتب علمهم ومنهجهم في عرض التاريخ؛ أمثال ابن كثير، وابن الأثير، وابن خلدون وغيرهم. ولعلنا هنا نؤكد على ضرورة ملائمة المصادر المناسبة مع الفترة التاريخية المراد البحث فيها؛ هذا وكل فرع من فروع التاريخ له كتبه ومصادره الخاصة، وعلى الباحث استيعاب أهمية إدراك منهج المؤلف وتوجهاته الفكرية لتفسير وتحليل وجهة نظره، عند الاستعانة بكتابه.
أما عن سبب اختياري للتاريخ الأندلسي أقول: كانت بلاد الأندلس مركز اشعاع حضاري في العصر الوسيط وصلت فيه الدولة الإسلامية لأوج عظمتها من جميع النواحي العلمية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والأدبية، وكانت أرض الأندلس خير من مثّل حوار الأديان والحضارات على أرض واحدة في ذلك العصر، وعبّرت عن ثقافة الإتلاف ونبذ الاختلاف، ورمزت لأجمل صور التسامح الديني؛ ناهيك عن نماذج من شخصيات أمراء الأندلس وبراعتهم في قيادة العناصر المختلفة فرضت على ملوك النصارى احترامهم وتقديرهم ومحاكاة الثقافة العربية ولغة العرب، وسقوط الأندلس بعد 8 قرون من الزمان بيد النصارى بعد تلك القوة فاجعه لابد أن نأخذ منها العبر، كما أن امتزاج الفن الإسلامي بالفن الروماني الذي عبرت عنه العمارة الأندلسية، وفن الموشحات، وتميُّز الأدب الأندلسي وروعته؛ كل تلك الصور وغيرها، دفعتني للخوض في ذلك التاريخ، نستطيع أن نقول إنها محاكاة للفن والجمال والأندلسي. ودليل ذلك ميلي إلى الجوانب الحضارية أكثر من الجوانب السياسية. والباحث لا يبدع إلا إذا وجد فيما يبحث ما يلائم روحه والأندلس كانت مصدر إلهامي واستزادتي في البحث والتنقيب عن الموضوعات الجاذبة التي يستمتع معها القراء في هذا المجال.
وحقيقة يعجبني الكفاح بكل صوره، والموريسكيين هم أواخر سكان الأندلس الذين وقعوا تحت وطئه النصارى وتم أجابرهم على التنصير أو التهجير من بلادهم إن رفضوا التحول إلى النصرانية وتبديل دينهم، وهم شخصيات متميزة في مناطق تهجيرهم سواء في بلاد المغرب أو غيرها، حيث أنهم نقلوا حضارتهم وابداعاتهم معهم واثبتوا وجودهم بقوة، رغم المعاناة فالشخصية الموريسكية شخصية مميزة سيكولوجياً، مبدعين ؛ فمن عمق معاناتهم خلق هذا الإبداع، والمبدع لا تهزمه الحروب، فخصصت بحثي للحديث عنهم، ونهلت من مصادر التاريخ الأندلسي والمصادر العربية والأجنبية التي تحدثت عن الأندلس وسكانها،  مثل تاريخ أسبانيا المسلمة للمؤرخ ليفي بروفنسال، وكتب المؤرخة الإسبانية ماريا خوسي بيجيرا التي كتبت بإعجاب شديد عنهم وعن حضارة المسلمين في الأندلس، والمؤرخة الألمانية زيغريد هونكة في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب، وغيرهم، وفي تاريخ الأندلس كثير من التأملات التي أتمنى أن تمر على القراء ويستمتعوا بها وبأحداثها. وتمت طباعة الكتاب في دار كاغد للنشر وهو متوفر بين يدي القارئ الكريم.

_ دكتورة نوف اللغة العربية بين الانفتاح والاضطراب بمنظورك الخاص ما هي الأسباب؟
_ اللغة هي رمز من رموز الحب التي يتعانق فيها الفكر والقلب واللسان، ومتى ما تحدت القوة الناطقة للغة اطمأنت وترجمت أفعالاً وسلوكاً إيجابياً ، والغاية من هذه الفكرة أن اللغة العربية لم تضطرب بسبب الانفتاح ، فقد تميزت بقيادة العالم في العصر الوسيط وكانت رمزاً من رموز الحضارة الإسلامية بأحرفها وكلماتها وغزارة معانيها ، فقد تشكلت على الألسن نثراً وشعراً ،وعلى الجدران نقشاً ونحتا وفنونا، ولم يتعارض ذلك مع الانفتاح العالمي حينها؛ والحقيقة التي لابد أن تخضع لها أن اضطراب اللغة العربية نابع من خلل في علاقة الفكر بالقلب والذي ترجمته الألسن بانحراف لغوي بدأ برفع المنصوب وجزم المبتدأ وانتهى باغتراب اللسان عن لغة الضاد واستبدالها باللاتينية المعربة وجمل لا قيمة لها ، وفقدنا معها جمال اللغة العربية وتاهت في طريق المدنية المهجنة، وفقدت الهوية العربية على ألسن العرب ، عند هذا المنعطف اضطربت اللغة.. والعودة تكمن في نشر ثقافة حب اللغة العربية واستشعار قيمتها المتفردة بين جميع لغات العالم حينها ستعود عوداً حميداً وسنخاطب العالم بلغة الضاد وهويتنا العربية المميزة

_ الكثير من الكتاب لهم نظرتهم الخاصة للمرأة.. ما هي رؤية الدكتورة نوف لدور المرأة في التنمية والمشاركة في صناعة المستقبل على مستوى المملكة مع الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية؟
_ قادت المرأة العالم منذ آلاف السنين ولازالت ، ومرتكزات التنمية حفظ الهوية والمبدأ، ومن وجهة نظري أن عمود التنمية والمستقبل يكمن في جهود المرأة ابتداء من دورها كأم وانتهاء بريادتها لكثير من الأعمال التي قادتها بكل ثقة ورزانه ، والنجاح لا يكون إلا بيد المرأة المحتفظة بقيمها ومبادئها القائمة على حفظ الدين والخوف من الله عز وجل ؛ فديننا أعطى للمرأة حقها في المشاركة ولم يمنعها ، ولعلي انتهز الفرصة هنا لاستشهد بتوجه حكومتنا الرشيدة نحو تمكين المرأة وإبراز دورها فهو تمكين مؤصل في الدين وقد قدمت لنا الحضارة الإسلامية الكثير من الشواهد في هذا المجال ، برعت المرأة في الماضي وستبدع الآن شريطة أن لا تتنازل عن قيمها ومبادئها القائمة على حفظ الدين والهوية الإسلامية والابتعاد عن التقليد الأعمى الذي يفقدها كيانها وجمالها وحيائها حينها فقط ستنجح المرأة وتقود العالم.

_دكتورة ، أصبحت التكنولوجيا تجالس أبناءنا أكثر من مجالستنا لهم/ فكيف نعالج سلبيات التطور التكنولوجي على مستوى الأسرة؟
_ نحن الآن نعيش عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؛ لذا علينا الاستفادة من هذه التقنيات وتقديم التوجيه التربوي المتوافق مع هذا الانفتاح العالمي وتعمل على إيجاد حالة من التوازن لدى الأبناء يدركون معها أهمية التكنولوجيا والاستفادة من الجانب الإيجابي وترك مالا ينفع وإدراك أهمية عامل الزمن وحفظ العقل في الخوض فيما لا ينفع والاعتماد في ذلك أولا وأخيرا يقع على عاتق الوالدين ، واقترح أن يكون هناك دورات مكثفه لهما في هذا المجال يستطيعا من خلالها ادراك حجم الخطر وكيفية مواجهته.

_ ما أثر العولمة على تراثنا وهويتنا من وجهة نظرك؟ وكيف نستطيع التوفيق بين مقتضيات العولمة والحفاظ على تراثنا الحضاري وهويتنا الثقافية؟
_ العولمة مصطلح حديث يقصد به إزالة الفروقات الدينية والوطنية والقومية. وخلط الدنيا بالدين.. ابتغى مؤسسوه أهدافا باطنية لا تتناسب مع خصوصية الإسلام وهي حرب بارده موجهه ضده ، بقالب مزخرف لا يفوت العاقل مبتغاه ؛و مجاراة هذا المصطلح يفقدنا هويتنا ، لذا فمن وجهة نظري لابد من تدارك خطرها قبل وقوع الكارثة والعض بالنواجذ على القيم الدينية والاحتفاظ بالهوية الإسلامية والقيم و المبادئ التي تأسس عليها المجتمع المسلم منذ انبثاق فجره ، وتسرب بعض الآثار لا يمنع من تدارك الخطر بالتنبيه وإعادة الضبط من خلال وسائل الاعلام السمعية والمقروءة والتأكيد على أهمية حفظ الهوية والابتعاد عن الانغماس في قوالب لا تشبهنا .

_ كيف تنظرين إلى المشهد الأدبي الحالي؟ وهل حركة الإبداع العربي مواكبة للحركة الإبداعية العالمية؟
_ الأدب انعكاس لحالة المجتمع؛ لذا تتغير صوره بتغير المجتمع وثقافته. والمشهد الأدبي الحالي يتفق مع الواقع.. فانتقادنا لمستواه المتدني يجعلنا نقف أمام حالة من النقد الغير منتهي بالتصحيح أو الإزالة. وتذوق الأدب بجميع صوره يختلف من شخص لآخر؛ إنما لو اعتمدنا على الأسس ندرك أنه دفن منذ زمن .. وبقي فتات لا يسمعه ولا يقرأه أحد.
فمقارنة سريعة بين المستوى الأدبي في العصر الجاهلي و الإسلامي والحديث والمعاصر ستكتشف سريعاً عند أي محطة غادر .وما يعرض الآن على الساحة هو بالفعل مواكب للعالمية ولو احتفظنا بالمستوى السابق لتفوقنا على العالم فالأدب العربي يستحق المقدمة لا المساواة وأتمنى من الأدباء إعادة النظر فيما يطرح من موضوعات ومحاولة الاعتماد على الأسلوب الأدبي القديم ومزجه بالحديث في قالب خاص والابتعاد عن التقليد فهو لا يتناسب مع أصالتنا العربية.

_ تحدثُ في حياتنا أمور انتقالية كثيرة تحدّد نجاحنا أو فشلنا، ما هيّ المرحلة الانتقاليّة الّتي تعتبرينها حدًّا فاصلاً ونقطة تحول في مسيرتكِ العلمية؟
_ (استقالتي واكمالي لدراستي العليا) حالة من الجنون في زمن سعيد فيه من يكون على رأس وظيفة ويتقاضى راتب يتجاوز 15 ألف ريال سعودي , ويتركه من أجل حلم لا يعلم هل سيحصل بعده على وظيفة أم لا!

وقصة ذلك باختصار أنني وضعت هدفا لنفسي بعد الانتهاء من مرحلة البكالوريوس أن اكمل دراستي والحصول على درجة الدكتوراه ؛ إنما لم يكن ذلك متاحا لمدة سنتين في الجامعة التي رغبت في أن أتم دراستي فيها ، فالتحقت بسلك التدريس وكنت كل عام أتقدم بطلب التفرغ لأكمل الدراسة بعدما فتح المجال أمامي أنما شروط إدارة التعليم كانت تقف حائلا بيني وبين تحقيق حلمي وكان الأمل بداخلي متوقد ولم اكلّ ولم أمل يوماً فكنت أتقدم بطلب قبول في الجامعة وأُقبل والتعليم يرفض منحي التفرغ والسبب أن التاريخ ليس له نصيب في القبول وكان من المستحيل أن أغير مساري فرغبتي تكمن في الغوص في بحور التاريخ دون غيره وبعد ١٤ عام كنت حينها على المستوى الخامس في سلم الدرجات الوظيفي، فقررت الاستقالة وبدأ الكل ينصحني بالعدول عن هذا القرار واستخرت الله وغامرت بتقديمها في سبيل تحقيق هدفي رغم عدم وجود أي مصدر يمكنه تقديم راتب قيمته ١٥ الف ريال شهريا ، وليس هناك أي ضمانات للحصول على الوظيفة بعد الانتهاء من الدكتوراه خاصه وأن العمر يتقدم ولا ينتظر … إنما كان هناك إصرار والتحقت بالدراسة بعد الاستقالة وخلال ٧ سنوات نلت الدرجتين بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى وقبل ان اتم عام على نيلها رزقني الله بوظيفة وأصبحت عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات السعودية وتحقق الحلم، وكانت بدايتي الحقيقية التي تتناسب مع طموحاتي وآمالي .. فالمال ليس كل شيء والنجاح شعور رائع خاصة اذا رافق الانسان خلال تحقيقه صعوبات وظروف تمكن بحول الله وقوته من اجتيازها
هذه هي نقطة تحول نوف البنيان في حياتها . كانت البحث عن الذات من خلال تحقيق الهدف و الحمدلله على مامن به علي حمداً كثيراً مبارك فيه حمداً تدوم به النعم.

_ما مدى حضور الدكتورة نوف على مواقع التواصل الاجتماعي؟، وما مدى تفاعلها مع ما يدور فيها؟، وما هو تقييمها لهذه المواقع؟
_ في الحقيقة أنا مقتصدة قدر الإمكان وقاصدة ما يفيد الحاجة، فأنا لا اجد معنى لكثرة هذه الوسائل ووقتي أثمن من أن اقسمه بين اعدادها التي لا تنتهي ومواكبة تطورها جنون في حد ذاته، فهي من وجهة نظري وسيله من وسائل الغزو الفكري فقد أصبح الإنسان معها جمادا لا يتحرك ولا يتحدث وتراجعت مناشطة لتنحصر في مقابلة أجهزة الجوالات وهو داء استشرى في المجتمع على مختلف الفئات والأعمار ولو طلب مني أن أتنازل عن شيء في حياتي سيكون هذا الجهاز الذي شل عقولنا وسلب قدراتنا وصرف طاقاتنا عن جمال الحياة والعطاء والتقدم .. والتفاعل مع المجتمع له طرق كثيره ومتنوعه غير الركود أمام الأجهزة وبرأيي المتواضع ليتها لم تكن فقد سرقت من الكثير أجمل اللحظات وتسببت في إيجاد فجوه اجتماعيه رغم أنها موسومه بوسائل التواصل الاجتماعي فالأسر اغتربت والمجتمعات انغلقت وكثرت القضايا السلبية، ولابد لكل عاقل أن يتنبه لذلك ولا ينسى الكتاب والقلم ويدعم فكره بما ينفع، وترك مالا ينفع.
ورغم ذلك نحن نشيد بنواحيها الإيجابية في إيصال المطلوب وتسهيل التواصل فيما ينفع،  إنما بحدود المنطق.

_ كلمة أخيرة لكِ نختم بها الحوار
_ الدكتورة – نوف : أشكرك أستاذة : حصه على هذا الحوار الجميل الذي استعدت معه كثير من الذكريات وكلمتي موجهة لكل فرد سعودي، وهي أن هذا الوطن وضعنا في قلبه وعلينا أن نضعه في قلوبنا ونحميه ونعمل على تنميته كل حسب مجاله، وعلينا أن نكون وحدة واحدة لا تقبل التقسيم، وأن نركز على الجيل القادم ليكون الخلف الذي يمثل بلادنا فالمسؤولية عظيمة وبلادنا تستحق.

إعداد وحوار الإعلامية/ حصة بنت عبد العزيز
23_ ذو الحجة _ 1445هـ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى