كتاب الرأي

تحت عباءة الطهر… قلب فاجر”

لا تكن أمام الناس مرتديًا ثياب النزاهة، وبينك وذاتك تختبئ تحت عباءة الفجار’…

هذه الجملة ذكرها أحد الزملاء – وجاءت مقالتي من وحي هذه المقولة التي لامست حقيقتها أعماقي، فكانت شرارة هذه المقالة لأنها اختزلت ببساطة مأساة التناقض بين الظاهر وكشف المستور، الذي يختبئ خلف أقنعة النزاهة الزائفة

نعم، يبدو المظهر نظيفًا، الكلمات مزخرفة بالحكمة، والابتسامات مزروعة بإتقان على الوجوه… لكن حين يُسدل الستار، وتُطفأ الأنوار، وتبقى وحدك مع نفسك، تُرى أي وجه تُقابل؟
أهو وجه الإنسان الذي يدّعي الطهر أمام الآخرين؟ أم ذاك الذي يعقد الصفقات مع ضميره في الظلام، متخفيًا تحت عباءة الفجار؟
لقد أصبح الكذب لباسًا رسميًا، والادعاء أخلاقًا عامة، والناس يتزاحمون على مسرح الفضيلة، فيما الكواليس تفضح المستور.
فلا تكن واحدًا منهم… لا تكن مصلحًا في العلن، وخرابًا في الخفاء. النزاهة الحقيقية لا تحتاج جمهورًا، بل تحتاج ضميرًا حيًا.
تخدع من؟ ألغيرك، أم نفسك؟
أم تراك تحسب أن الناس لا ترى، وأنك بارع في التمثيل حدّ الإقناع؟
صدّقني، حتى وإن صفقوا لك طويلاً، فبعضهم يراك على حقيقتك، وبعضهم يغضّ الطرف عنك فقط لأنه لا يريد أن يشغّل ضميره.
أما نفسك… فهي لا تُخدع.
أنت تعرف من تكون حين تُغلق الأبواب، وتخرس الأصوات، وتبقى عاريًا من كل قناع.
النزاهة ليست زياً نرتديه في الاجتماعات، ولا منشورًا نتفاخر به في وسائل التواصل، ولا خطبة عصماء نُلقيها عند الحاجة.
النزاهة أن تخاف من خيانة نفسك، أن تكون نقيًا حين لا يُطلب منك ذلك، وأن تقول “لا” حين لا يسمعك أحد سواك.
لا تكن ذلك الذي يدين الفساد علنًا، ويغرق فيه سرًا، لا ترفع شعار الأخلاق لتغطي به ندوبك الخفية، لا تسبّ اللصوص وأنت تسرق في الخفاء، ولا تلعن الكاذبين ولسانك مبلل بالزيف.
الناس قد تُخدع… لكن روحك لا تُخدع. والله لا يُخدع.
قف لحظة، وانظر في المرآة…
واسأل نفسك بصوت لا يسمعه سواك:
هل أنا صادق مع نفسي؟
هل نزاهتي حقيقية، أم مجرد زيّ أرتديه حين أكون تحت الأضواء؟
هل أعيش كما أزعم، أم أنني مجرد ممثل بارع في دور الفضيلة؟
إن كنت ترتدي ثياب النزاهة فقط أمام الناس، فاعلم أن تلك الثياب ستسقط يومًا،
ربما أمام طفل يسألك بلا خوف: “لماذا تكذب؟”،
أو أمام موقف لا يحتمل التمثيل، أو أمام لحظة موت لا تجامل أحدًا.
النزاهة ليست خيارًا تجميليًا… هي روحك، إما أن تحيا بها، أو تموت دونها وأنت على قيد الحياة.
فاخلع عباءة الفجار، إن كنت تلبسها في الخفاء، وواجه نفسك كما هي، قبل أن تواجه الحقيقة التي لا ترحم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى