حين يصبح الغباء موقفاً والجهل شجاعة!
في زمنٍ يتسابق فيه البشر نحو الواجهة، لا يهم ما تحمله من علم أو أخلاق، بقدر ما يهم عدد المتابعين وعدد الصيحات التي تطلقها بلا خجل.
لقد أصبح الجهل زينة، والتفاهة وساماً، والمواقف السخيفة تُروّج على أنها “جرأة” و”صدق”. ويا ليتنا كنا نعيش مرحلة ضياع، بل نحن في مرحلة تبرير الضياع واعتباره حرية شخصية!
ما أكثر الذين يتحدثون اليوم في كل شيء: في الدين، في السياسة، في الطب، في التربية… وهم لا يملكون من أدوات الفهم سوى جرأتهم الفارغة، وصوت مرتفع، وحضور “سوشال ميديا” لا يقدّم ولا يؤخّر.
ترى أحدهم يجلس أمام الكاميرا، ينفث جهله على الناس، ويسمي ذلك “رأياً حراً”، ثم يطالب بعدم الهجوم عليه لأنه “صريح”! لا يا سيدي، الصراحة لا تعني الوقاحة، والرأي لا يعني الفتوى، والجهل لا يحق له أن يعلو على العلم لمجرد أن لديك اتصال إنترنت!
أما أولئك الذين لا يرون في الحياة إلا أنفسهم، فحدث ولا حرج. أنانيون حدّ القرف، يتعاملون مع الآخرين وكأنهم أدوات لتحقيق رغباتهم، ثم يرمونهم متى انتهت المصلحة.
يقتلون الاحترام تحت شعار “ما أحب القيود”، ويكسرون القلوب متباهين بأنهم “واقعيون”. لا يا هذا، الواقعية لا تعني أنك مخلوق بارد خالٍ من الشعور، بل تعني أن تدرك مشاعرك ومشاعر غيرك وتتصرف بما يليق.
ولا ننسى أصحاب “الوجهين”، أولئك الذين يعيشون حياة مزدوجة: في العلن ملائكة، وفي الخفاء شياطين بمرتبة الشرف، يتغنون بالقيم في العلن، ويطعنون بها ليلاً، ويتحدثون عن المبدأ والنزاهة، وهم أول من يساوم على كل شيء من أجل حفنة من المصلحة أو شهرة زائفة.
في النهاية، لم يعد الغريب أن ترى هذه التصرفات، بل الغريب أن تجد من لا يمارسها! كأننا في عالم مقلوب، كلما تمسكت بالمبادئ أصبحت غريباً، وكلما ازددت تهافتاً على القاع ارتفعت في عيون البعض.
فيا من لا زلت تحتفظ بضميرك، لا تيأس. قد تكون في قلة، لكنك في النور. وصدقني، النور لا يحتاج للعدد، بل للثبات
نشر في الثلاثاء 6 أبريل 2025
صحيفة وقع الحدث