كتاب الرأي

السعادة بين الحقيقة والخيال

لا يكفّ الإنسان في بحثه عنِ السعادة، فتراه يبحث عنها بشتّى مناحي الحياة، فمنهم من يراها في جمع المال ويظلّ يسعى لاهثًا خلف هذا الوهم حتى يستقر يقينه، قال الشاعر:

ولست أرى السعادة جمع مالٍ
ولكن التقيَّ هو السعيدُ

فيعود أدراجه بعد مضي زهرة شبابه ومرحلة الصبا التي قضاها دائرًا حول وهمّه ألّلامع وأمانيه الزائفة، فما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

وهذا النموذج المنخدع لا يجب أن نتوقّف عنده؛ فهناك مِمّن يبحث عن أكسير السعادة في الجاه، فنراه يتّكئ على حسبه ونسبه، وينسى دوره الفاعل المنوط به في الحياة كمستخلف في الأرض، من منطلق قول الحق: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، وهذا الإنسان لا تراه إلّا غارقًا في أمجاد الماضي يدندن حول: كان أبي، دون اكتراث لهذا الضعف المشوّه للشخصّية، فهو لا يزال يقف على قارعة الطريق، والركبُ قد مضي إلى مستقبله، ويصدُقُ فيه قول الشاعر:

ليس الفتى من يقول كان أبي
إن الفتى من يقول: ها أنَا ذا

نعم…إنّها سموم الأفكار التي قلبت الشخصيّة الإنسانيّة لحالة من الخواء والجمود كالخشب المُسندة.

وأقف عند هذا الحد ولن أسترسل بسرد الكثير عن بعض هذه النماذج من الشخصيّات، وما أكثرها؛ فالمهم هنا هو ما نبحث عنه ونتطلّع إليه، وهو أن السعادة الحقيقية تكمن في الانعتاق من لوثة الأفكار المسمومة، والتخوّف من المستقبل دون مبرّرات منطقيّة وموضوعيّة، ولنا في الأثر أسوةً، فموسى عليه السلام يذهب بأهله بقطعٍ من الليل وكلّنا نعرف القصّة، وإبراهيم عليه السلام معروف أنه ترك أهله بوادٍ غير ذي زرع؛ ولكن عند كليهما عليهما السلام ظنٌ راسخٌ وثقةٌ عاليةٌ بالخالق سبحانه، يعلمان أنه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهم وغيرهم من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أسوة وقدوة لنا؛ فلنعمل بالأمل ونظن الخير بالله، ولا نجلد الذات دون أن نتقدّم خطوة.

إن السعادة الحقيقية في الرضى بما قسم الله، وبالتطلّع  للمستقبل الزاهر، وحسن الظن في إن الخير لا ينقطع، وأن عطاء الله واسع.

فالسعادة بين جوانحنا، السعادة تأتينا بمسح دمعة يتيم، وبمواساة مكلوم أو مظلوم.

أتمنّى أن أكون أضأت جوانب معتمة تلتفُّ حول من لم ينظروا لواقع غيرهم.

وهنا أقف وقفة: وهي للتأكيد أن السعادة لا تُشترى؛ فالسعادة كامنة في أعماقك أنت؛ فامنحها لنفسك ولغيرك.

حصة بنت عبد العزيز
كاتبة و أديبة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى