كتاب الرأي

القوة التي لا تُرى

بقلم / ناصرمضحي الحربي

ليست القوة في الصوت المرتفع، ولا في القسوة التي يتوهمها البعض درعًا يحميهم من الخيبات. القوة الحقيقية تُبنى في الداخل، في ذلك المكان الذي لا يزوره أحد، حيث يكبر الصبر، وتتهذّب الروح، ويتخذ القلب قراراته الصعبة.
القوة هي أن تعفو عمّن أخطأ في حقك، مع أنك تعلم في أعماقك أنه لا يستحق العفو.
ومع ذلك تتسامى، لا ضعفًا، بل لأنك تدرك أن قلبك أثمن من أن يُقيَّد بضغائن طويلة. إنّ العفو هنا ليس من أجلهم، بل من أجل سلامك أنت.
والقوة أيضًا أن تمنح الآخرين شيئًا من الفرح، حتى حين يكون قلبك مثقّلًا بندوب لا يراها أحد.
أن تصنع ابتسامة لغيرك بينما جراحك ما زالت ساخنة، هذا ليس تناقضًا، بل دليل على صفاء نادر، لا يقدر عليه إلا من امتلك روحًا تعرف أن الخير يداوي صاحبه قبل غيره.
ثم هناك ذلك النوع الصعب من القوة… أن تبقى هادئًا في قلب العاصفة.
أن تمسك أعصابك حين يخيّرك اليأس بين الانهيار والصراخ. أن تختار الصمت، ليس عجزًا، بل حفاظًا على ما تبقّى من اتزانك.
ففي اللحظات التي يريد فيها العالم أن يراك محطمًا، يكون صمودك الهادئ أقوى من أي صخب.
القوة الحقيقية إذًا ليست في الانتصار على الناس، بل في الانتصار على نفسك.
في قدرتك على ألا تتخلى عن إنسانيتك مهما اشتدّت الجراح. وفي أن تظل قادرًا على منح النور، حتى حين ينطفئ الضوء داخلك مؤقتًا.

هكذا تُقاس النفوس… لا بما تملك، بل بما تتجاوز

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى