الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

ميدان الحدث

جولة في مدينة التاريخ والأسوار والنخيل.. 

محافظة الحائط.. تاريخ  يروي  قصة الجزيرة العربية

جولة في مدينة/ تقرير – ناصرمضحي الحربي
تقع مدينة الحائط على بُعد نحو 250 كيلومتراً جنوب غرب مدينة حائل، وتُعد واحدة من أبرز مدن المنطقة وأكثرها غنىً بالإرث التاريخي والآثار العريقة.
عُرفت قديماً باسم فَدَك، وارتبط ذكرها بالحضارات القديمة التي تعاقبت على الجزيرة العربية، حتى غدت من أهم مراكز الاستقرار البشري منذ آلاف السنين، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل 200 عام قبل الميلاد، ما يجعلها شاهداً حياً على تحولات الزمن وتنوع الحضارات التي مرّت بها.
ومن أبرز معالمها “السور الكبير” الذي يحيط بالمدينة في شكل دائري، وكأنه يحتضنها ويصون أسرارها القديمة. هذا السور لم يكن مجرد بناء حجري، بل غدا رمزاً للهوية التاريخية، حتى ارتبط اسم المدينة به، فصارت تُعرف بـ “الحائط”، في إشارة مباشرة إلى ذلك الحصن الدائري العريق.
كما تزخر المدينة بالعديد من المواقع الأثرية التي تستوقف الزائر وتثير فضوله؛ من نقوش صخرية وبقايا مبانٍ قديمة، إلى آثار تحكي فصولاً من تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده. هذه الكنوز الأثرية تمثل فرصة واعدة لتعزيز السياحة الثقافية في المنطقة، خاصة مع تزايد الاهتمام بإحياء التراث الوطني وتوثيقه.

البدايات الأولى والتسميات
ارتبط اسمها القديم فَدَك بعدة روايات؛ فقيل إنه يعود إلى فدك بن حام بن نوح عليه السلام، وقيل أيضاً إلى أحد إخوة سلمى من قبيلة العمالقة. وفي مراحل تاريخية أخرى أُطلق عليها الحصون والأسوار نسبة إلى السور المنيع الذي أحاط بها، حتى استقر اسمها الحالي “الحائط”، الذي جاء من كثرة حيطان النخيل التي كانت تحيط بها، وكأنها سور أخضر يحميها.
جذور تاريخية عميقة
كانت الحائط مركزاً حضرياً بارزاً قبل الميلاد، وتذكر المصادر أنها خضعت لأحد ملوك بابل عام 566 ق.م، ما يؤكد موقعها الاستراتيجي المهم. وقد تعاقبت على أرضها قبائل عربية عديدة مثل: ثمود، العمالقة، الفنيقيون، البابليون، بنو سليم، بنو هلال، بنو الكلب، وكلاب، وبنو الأشجع، لتبقى عبر العصور نقطة التقاء بين شمال الجزيرة وجنوبها.
مكانتها في التاريخ الإسلامي
دخلت فَدَك في عهد النبي ﷺ سنة سبع للهجرة صلحاً بعد فتح خيبر، حيث راسل أهلها الرسول طالبين الصلح على نصف ثمارهم وأموالهم، فكانت خالصة لرسول الله ﷺ لأنها لم تُفتح بقتال. وقد اشتهرت في تلك الحقبة بوفرة عيون الماء وكثرة النخيل المثمر.
الأسوار والقلاع
اشتهرت الحائط باسم مدينة الأسوار، إذ التف حولها سور عظيم من حجارة الحرة السوداء بطول يقارب 17 كيلومتراً لحمايتها من الغارات. وقد أقيمت عليه بوابتان رئيسيتان:
•بوابة النويبية جنوباً.
•بوابة الحبس شمالاً.
كما شُيدت على أطرافه وقلبها قلاع حصينة مثل: قلعة باب الحبس، قلعة جريدا، قلعة الغار، قلعة الحسكانية، وقلعة البديعة، لتكون معالم دفاعية وعمرانية تميزت بها المدينة.
الزراعة والنخيل
للنخلة حضور متجذر في تاريخ الحائط، فقد قُدّر عدد نخيلها قديماً بأكثر من 40 ألف نخلة امتد إنتاجها إلى مناطق واسعة. ولا تزال بعض بساتينها قائمة حتى اليوم رغم اندثار كثير منها بسبب جفاف العيون. وقد ارتبطت الزراعة بوفرة المياه والآبار القديمة، فكانت مصدر عيش وكرم ورخاء لأهلها.
على دروب القوافل
بفضل موقعها بين المدينة المنورة وحائل، تحولت الحائط إلى محطة رئيسية على طرق القوافل التجارية. كانت القوافل تتزود من آبارها العذبة، وتستظل بنخيلها، وتبيع وتشتري في أسواقها الصغيرة، مما جعلها مركزاً تجارياً وثقافياً يعج بالحياة.
الإنسان والمكان
يُقدَّر عدد سكان الحائط اليوم بنحو 70 ألف نسمة مع القرى والهجر المحيطة بها. يمارسون أنشطة متعددة تجمع بين الزراعة والتجارة والوظائف الحكومية. وما زالت النخلة رمزاً للكرم ورفيقة للحياة اليومية، فيما تعكس المجالس الشعبية روح المكان وذاكرة أجياله.
التعليم والتنمية
من الكتاتيب البسيطة إلى المدارس الحديثة، شهدت الحائط نهضة تعليمية كبيرة. تضم المحافظة عشرات المدارس للبنين والبنات، ومن أبرزها:
•للبنين: ابتدائية الأرقم، ابتدائية البخاري، متوسطة ابن كثير، ثانوية السيوطي، وثانوية الحائط.
•للبنات: الابتدائية الأولى والثانية، ثانوية تحفيظ القرآن، مدارس روضة ابن هادي، مدارس المناخ والوسعة.
ويبلغ عدد مدارس البنات وحدها أكثر من 31 مدرسة، إضافة إلى فرع جامعة حائل للبنات الذي أتاح فرص التعليم الجامعي داخل المحافظة.
القرى والمراكز
تضم الحائط شبكة واسعة من المراكز والقرى التي تشكل امتداداً عمرانياً وبشرياً لها. من أبرز المراكز: روض ابن هادي، فيضة أثقب، بدع بن خلف، الشويمس، الوسعة، المرير، الصفيط، الحليفة العليا والسفلى، الدابية، الخفيج، أنبوان، المناخ.
أما القرى فهي كثيرة، منها: عمائر ابن هادي، شقران رشيد، صفران ابن مشعان، ضريبان ابن غازي، بدائع الذرب، العرادية، ثويليل، بجيلة، أبو سهيلات، بدائع الروض، الحواء، المجصة، الأشقر، المحناء، وعيال عبيد.
الحائط بين الماضي والحاضر
اليوم، تجمع الحائط بين أطلال سورها القديم ونقوشها الصخرية العتيقة، وبين عمران حديث من مدارس ومستشفيات وطرق ومشاريع تنموية. إنها مدينة تحمل ملامح الأصالة، وفي الوقت ذاته تنبض بروح المعاصرة.
نحو المستقبل
الحائط ليست مجرد مدينة عابرة على خارطة حائل، بل قصة متكاملة من التاريخ والجغرافيا والإنسان. حرسها التاريخ بأسوارها وقلاعها، وصاغها الحاضر بمدارسه وجامعاته، ويكتب أبناؤها اليوم فصلها القادم بالعلم والتنمية. إنها مدينة تقول لزائرها: هنا التاريخ حيّ، وهنا الحاضر يصنع الغد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى