الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

“السعودية… صمت يبني السلام وصوت يعيد التوازن

 

بقلم: ناصرمضحي الحربي

في عالم يضج بالصراعات ويضيع فيه صوت الحكمة وسط ضجيج المصالح الضيقة، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب محوري يتقن فن القيادة الهادئة والمبادرات المؤثرة، متسلّحة برؤية واقعية، ومنهجية عقلانية، تستند إلى قيم راسخة تمتد من عمق الهوية العربية والإسلامية، وتصل إلى رحاب البعد الإنساني العالمي.

ما يلفت في السياسة السعودية اليوم ليس فقط قدرتها على التأثير، بل الطريقة التي تمارس بها هذا التأثير: بصمت مدروس، وفاعلية هادئة، وحضور استراتيجي لا يحتاج إلى ضوضاء إعلامية لإثباته. إنها فلسفة ترفض الحلول السريعة أو التفاعلات اللحظية، وتفضل البناء على المدى الطويل، بما يحقق مصالح الشعوب ويحافظ على استقرار الإقليم.

أبرز تجليات هذا الدور ظهرت بوضوح في الملف السوري، حين لعبت المملكة، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، دورًا حاسمًا في الدفع نحو رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة دمجها في محيطها العربي. وقد مثّلت هذه الخطوة لحظة تحول حقيقية في مسار العلاقات العربية، وكسرت حالة الجمود السياسي التي خيّمت على الملف السوري لعقد من الزمان.

لقد قاد ولي العهد هذا التحرك بكثير من الحنكة، متكئًا على أدوات رمزية ومادية، وثقل معنوي نابع من المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية للمملكة. السعودية لم تمارس دور الوسيط فحسب، بل قدمت نفسها كصانع قرار في لحظة حساسة، واضعة نصب أعينها المصلحة العامة لا الحسابات الضيقة.

هذا التوجّه لم يقتصر على الملف السوري، بل يعكس نهجًا سعوديًا جديدًا في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، حيث تُبنى السياسة على أسس الشراكة، والاحترام المتبادل، ودعم الاستقرار، بعيدًا عن سياسات الإقصاء أو الاستقطاب. رؤية المملكة، كما يعبّر عنها ولي العهد، تسعى لإعادة تعريف ملامح الدور العربي على الساحة الدولية، وإحياء مكانة العرب كقوة فاعلة ومؤثرة في قضايا السلم والأمن والتنمية.

إن ما تقوم به المملكة اليوم من أدوار دبلوماسية وتنموية، ليس إلا امتدادًا لسياسة تراهن على المستقبل، وتؤمن بأن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى عبر الثقة، والحوار، والإرادة الصادقة. ولذلك، فإن السعودية ليست مجرد دولة تتحرك في فلك المتغيرات، بل هي من يُعيد رسم هذا الفلك وفق مقاربات عقلانية شاملة.

وفي ظل هذا المشهد الدولي المتغير، حيث تتراجع مراكز القوى التقليدية وتتصاعد الأزمات، تقدم المملكة نموذجًا في القيادة الرشيدة القادرة على خلق فرص للسلام، وتنمية الاستقرار، وتوجيه بوصلة العالم نحو التلاقي لا التصادم. إنها دولة تُمارس السياسة بمفهومها النبيل: فعلٌ هادئٌ، وإنجازٌ عميقٌ، وتأثيرٌ يغيّر مسار الأحداث من دون ضجيج.

إن العالم بحاجة إلى هذه الرؤية. إلى صوت يغلّب الحكمة على الانفعال، ويبني مستقبلًا قائمًا على التعاون لا الصراع، وعلى التنمية لا الدمار. وفي هذا السياق، فإن الحراك السعودي المستمر يقدّم خريطة طريق جديدة لعالم يريد أن يتعافى من جراحه، ويعيد الاعتبار لقيم الإنسانية، والتضامن، والسلام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى