الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

في وداعٍ موجع.. رحل “أبو شرعان” أسطورة الفلك والوفاء

بقلم / ناصر مضحي الحربي/ البكيرية

خيم الحزن العميق على أوساط المجتمع السعودي اليوم، مع إعلان وفاة الشيخ ملفي بن شرعان العريمة الحربي، المعروف بلقب “أبو شرعان”، أحد أبرز أعلام علم الفلك والنجوم التقليدي في الجزيرة العربية، عن عمر ناهز المائة عام.
برحيل “أبو شرعان”، تطوى صفحة مشرقة من تاريخ طويل حملته صدور الرجال قبل أن تسجله الكتب. فقد كان رحمه الله حاملًا أمينًا لتراث الأجداد، راوياً أمينًا لقصص السماء ولغتها، خبيرًا بمواقع النجوم ومواسمها، ملهماً لأجيال من المهتمين بعلم الفلك التقليدي الذي ارتبط بحياة البادية والزراعة والسفر عبر الصحاري.
لم يكن “أبو شرعان” مجرد عالم نجوم؛ بل كان قصة حب للأرض والسماء، ورمزًا نادرًا للوفاء لتقاليد الأجداد. عُرف بذكائه الحاد وحدسه الفطري، وبصمته الهادئة التي تخفي خلفها سنوات طويلة من التجربة والمراقبة الدقيقة لمظاهر الكون، حتى أصبح مرجعاً لا يُضاهى لكل من أراد أن يفهم لغة الكواكب والأنواء.
تميزت حياة الفقيد بالبساطة والتواضع الجم، حتى مع شهرته الواسعة التي عبرت حدود القبيلة والبادية إلى قلوب الناس كافة. ظل محتفظاً بأصالته، وفياً لمبادئه، حريصاً على أن ينقل علمه بكل أمانة للأجيال، مجسداً بذلك قيمة الوفاء للعلم وللأرض وللسماء التي عشق تفاصيلها.
وفي لحظات وداعه، اجتمع أبناؤه وتلاميذه ومحبيه من شتى مناطق المملكة، في مشهد مهيب ملأته الدموع والدعوات، وتزينت به الذاكرة الجماعية بحكاياته التي ستبقى تُروى جيلاً بعد جيل.
برحيله، يفقد الوطن رمزاً أصيلاً من رموزه الشعبية والعلمية، لكنه يورث للأجيال كنزاً من المعرفة المتجذرة في وجدان هذه الأرض، وقصة حب لا تموت بين الإنسان والسماء.

غاب “أبو شرعان” جسداً، لكن روحه ستبقى في كل نجمٍ يهتدي به مسافر، وفي كل بدوي يرفع عينيه نحو القبة الزرقاء ليستلهم الطريق.
سلامٌ عليك يا سليل القمر، ويا ابن الصحراء، ويا صديق الليل الطويل. سلامٌ على رحلتك الأخيرة نحو الفضاء الذي أحببته حتى آخر العمر.
رحم الله ملفي بن شرعان، وأحسن وفادته، وجعل نجوم الجنة زينة لقلبه المضيء

 

الاحد 27 أبريل 2025
ناصرمضحي الحربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى