القطاع غير الربحي السعودي… رافعة تنموية تُعيد بناء المستقبل بحكمة الدولة وقوة المجتمع

بقلم: د. أحمد بن سعيد الغامدي
في السنوات الأخيرة شهدت المملكة العربية السعودية نقلة نوعية في بنية القطاع غير الربحي، جعلته أحد أهم روافد التنمية الوطنية وركائز تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. هذا القطاع الذي ظل لعقود يُنظر إليه باعتباره مجالًا تطوعيًا محدود الأثر أصبح اليوم قطاعًا مؤسسيًا فاعلًا تُبنى عليه المبادرات الوطنية الكبرى، وتُستثمر فيه الجهود البشرية والمعرفية والمالية لإحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
وقد جاء منتدى القطاع غير الربحي الدولي ليؤكد هذا التحول، وليعرض أمام العالم صورة واضحة لمدى التطور الذي وصل إليه العمل غير الربحي في المملكة. فالمنتدى ليس مجرد حدث تنظيمي بل منصة عالمية تُظهر حجم الوعي وحجم التكامل وحجم الطموح الذي بات يميز المنظمات غير الربحية السعودية، وما تشهده من نضج تشغيلي وابتكار في الحلول وارتفاع في مستوى الحوكمة والشفافية.
*تحولات استراتيجية تقودها الدولة*
تتبنى المملكة اليوم رؤية واضحة تجعل القطاع غير الربحي شريكًا كاملًا في التنمية، وليس مجرد جهة مساندة. فالسياسات الحديثة، والدعم الحكومي الكبير، وبرامج التمكين، جميعها أسست بيئة خصبة لنمو الجمعيات والمؤسسات والمبادرات المجتمعية بطريقة أكثر مهنية واستدامة.
وقد أسهمت هذه التحولات في رفع عدد المنظمات غير الربحية، وتوسيع نطاق تخصصاتها، وخلق فرص للتكامل بين القطاعين العام والخاص والقطاع الأهلي، مع منح الجمعيات مساحة أكبر للعمل الاحترافي الذي يقوده الكفاءات الوطنية.
*الدور الاستراتيجي لمجلس الجمعيات الأهلية*
ومن بين الجهات التي تعكس هذا النضج بوضوح مجلس الجمعيات الأهلية، الذي أصبح مظلة حقيقية تقود التحول وتوحّد الجهود وتبني القدرات.
فحضور المجلس الفاعل في المنتدى، وتوقيعه اتفاقيات نوعية، وتدشينه منصة “وُسُق” بالشراكة مع الجهات الممكنة، جميعها شواهد على تحوّله من جهة إشرافية إلى كيان استراتيجي يصنع المبادرات ويقود الحلول ويدعم الاستدامة.
وقد قدّم المجلس خلال مشاركته في المنتدى حزمة من الخدمات التعريفية والتقنية، واستعرض نماذج من الحلول التمكينية التي يقدمها للمنظمات، في خطوة تعكس دوره في تعزيز الأثر المجتمعي وتحويل الجمعيات من كيانات قائمة على الجهود الفردية إلى مؤسسات تُدار باحتراف، وتعمل وفق خطط واضحة، وتتبنى مؤشرات ونتائج قابلة للقياس.
*قطاع يصنع الأثر… ويُعيد تعريف المسؤولية المجتمعية*
اللافت أن القطاع غير الربحي في المملكة لم يعد مقتصرًا على الأعمال التقليدية، بل أصبح اليوم مصنعًا للأفكار، ومختبرًا للحلول الاجتماعية، ومحركًا للتغيير.
فالجمعيات تتجه نحو الخدمات الذكية والرقمية وبرامج التمكين الاقتصادي للأسر والأفراد ومشاريع التطوع الاحترافي والتأثير في السياسات العامة وإطلاق مبادرات وطنية ذات بعد تنموي عميق
هذه النقلة جعلت القطاع غير الربحي لاعبًا مؤثرًا في جودة الحياة، وفي التنمية المجتمعية، وفي رفع الوعي والمسؤولية، وفي دعم الفئات المحتاجة بطرق أكثر كفاءة واستدامة.
ختامًا إن ما نراه اليوم من تقدم في القطاع غير الربحي السعودي ليس وليد الصدفة، بل نتيجة عمل منهجي تقوده الدولة، وتواكبه منظمات محترفة، ويعززه شغف وطني كبير يتجدد كل يوم.
وما يقدمه المنتدى الدولي للقطاع غير الربحي ليس إلا محطة من محطات المسيرة، ودليلًا جديدًا على أن المملكة تتجه بثقة نحو قطاع غير ربحي أقوى، وأكثر احترافية، وأعمق أثرًا… قطاع يليق ببلد يؤمن بأن التنمية مسؤولية الجميع، وأن العطاء قيمة تُترجم إلى عمل.
هذا هو القطاع غير الربحي في السعودية اليوم قطاع يبني، ويُمكّن، ويُحدث أثرًا… ويتقدم نحو المستقبل بخطى ثابتة.

