كتاب الرأي
كثرة انتشار الصحف الإلكترونية الإخبارية: هل خدمت المهنة الإعلامية؟
بقلم/ ناصرمضحي الحربي
في كل يوم تقريباً نسمع عن ولادة صحيفة إلكترونية جديدة، بعضها يرفع شعار “خدمة الوطن والمجتمع”، وأخرى تتزيَّن بأسماء لامعة وشعارات براقة، حتى أصبح المشهد الإعلامي الرقمي أقرب إلى “سوق مزدحم” تختلط فيه الصحف الجادة بالمواقع الهامشية. هذه الطفرة الرقمية تطرح تساؤلات حقيقية: هل أسهم هذا الانتشار في خدمة المهنة الإعلامية، أم أنه أضعفها وأدخلها في دائرة الفوضى؟ وهل القائمون على هذه الصحف يملكون التأهيل والخبرة الكافية لقيادة مؤسسة إعلامية مسؤولة؟
من الناحية الإيجابية، وفّرت الصحف الإلكترونية مساحة رحبة لإيصال الأخبار بسرعة تفوق الصحف الورقية، وفتحت الباب أمام الشباب لتجريب أدوات الإعلام الرقمي، وأسهمت في رفع مستوى التنافس بين المنصات الإعلامية في تقديم محتوى متنوع. كما أن بعضها – ولا شك – نجح في تحقيق حضور مؤثر من خلال الالتزام بالمعايير المهنية وتقديم تغطيات نوعية.
لكن الوجه الآخر يكشف عن إشكالية خطيرة: كثير من هذه الصحف يدار من قبل أشخاص يفتقرون إلى أبسط قواعد التحرير الصحفي وأخلاقيات النشر، فتحولت بعض المنصات إلى مجرد “نسخ ولصق” من مواقع أخرى، أو إلى منصات شخصية تستخدم لنشر الأخبار غير الدقيقة، أو حتى للترويج لمصالح ضيقة. هذا الانفلات جعل القارئ في مواجهة سيل من الأخبار المتناقضة وغير الموثوقة، ما يضعف صورة الصحافة أمام الرأي العام.
ولعلّ من أبرز الأمثلة ما نشهده من تناقل أخبار عاجلة بلا مصادر موثوقة، أو استخدام عناوين مثيرة لا تعكس مضمون الخبر، في محاولة لجذب القارئ على حساب المصداقية. بل إن بعض الصحف الإلكترونية تكتفي بتضخيم أحداث اجتماعية بسيطة لتملأ فراغ الصفحات، في حين تتجاهل قضايا وطنية أو مجتمعية ذات أهمية قصوى.
المطلوب لمواجهة الظاهرة
1.وضع معايير تنظيمية ورقابية: عبر وزارات الإعلام أو الهيئات المختصة لاعتماد الصحف الإلكترونية، بحيث لا يُمنح الترخيص إلا لمن يلتزم بشروط مهنية واضحة.
2.رفع مستوى التأهيل والتدريب: بإقامة دورات وورش عمل للصحفيين والإداريين، وربط استمرار الترخيص بمدى الالتزام بالتطوير المهني.
3.بناء ميثاق شرف إعلامي: يلزم الصحف الإلكترونية بالمصداقية والموضوعية واحترام القيم المجتمعية.
4.تعزيز دور المؤسسات الإعلامية الرسمية: في احتضان المواهب الشابة وتوظيفها، بدلاً من أن تتسرب إلى صحف ضعيفة غير مؤهلة.
5.تشجيع القارئ الواعي: على التمييز بين الصحف الجادة وتلك التي تبحث عن الإثارة، عبر التربية الإعلامية والوعي النقدي.
أخيرا: نحو إعلام رقمي مسؤول
الصحافة الإلكترونية لم تعد خياراً، بل أصبحت واقعاً يفرض نفسه بقوة، وهي قادرة على أن تكون رافداً أساسياً للإعلام الوطني إذا ما أُحسن تنظيمها وتوجيهها. المستقبل يتجه نحو الإعلام الرقمي التفاعلي، لكن نجاح هذا المستقبل مرهون بقدرتنا على ضبط معاييره، وتطوير كفاءات العاملين فيه، وإرساء الثقة بين الصحفي والجمهور. إن المطلوب اليوم ليس منع انتشار الصحف الإلكترونية، بل توجيهها لتكون مؤسسات مهنية حقيقية تضيء الطريق أمام المجتمع بدلاً من أن تربكه بفوضى الأخبار والشائعات