حروف مبعثرة ..!!
أطل صاحبي المزعج مسرعا أخذ جلسته امامي وأخرج ( تنهيدة ) عميقة أفزعتني ثم قال ..
بعد أن رد السلام ..
يعجز الانسان في لحظة من لحظات حياته أن يبوح بمكنون صدره .. لذلك خلق الله سبحانه ( التنهيدة ) لتخرج بعض مما أوجب كتمه في الصدور .. واحدة من نعم الباري علينا .. والا لحدث مالا تحمد عقباه ..
سألته عسى في الأمر خير .. اراك في حالة من اليأس لم اعهدها فيك .. ولماذا هذه الزفرة الحرى هونها تهون على رأي المثل الدارج ..
رد بالقول : التنهيدة قد تكون من العادات المعبرة المؤثرة التي يلجأ اليها المتعب من أي أمر وذلك حينما تكون الظروف جعلت دون مايريد تحقيقه خرط القتاد .. وواجه عقبات كئود يصعب تجاوزها ..
وأضاف يا صديقي تنهيدات صدورنا هي الأنفاس الهاربة بالمجهول .. التي لا يعلم بواعثه ومحتواه إلا صاحب الصدر المزحوم .. اما البقية ممن يرون هذا الشخص فلكل تفسير على هواه ورأيه ..
خاصة وأنه ليس كل ما في القلب يقال .. ومافي الصدور يمكن اخراجه ..
ثم سألته .. هناك كثير من الوسائل المعينة على تجاوز الألم والضيق والكدر .. نعم هي التنهيدة واحدة من متنفسات الحياة .. لكن ليست كل شيء .. وعليك أن تكون اكثر مرونة في تقبل العوائق التي لا يسلم منها شخص بعينه مهما كانت حصافته وكياسته .. لكن يبقى التوازن مطلوب في كل حال حفاظا على صحة الانسان ورأفة بمن حوله من الشفقاء عليه و خاصته ..
رد علي بعد أن اخذ تنهيدة ثانية اكثر من سابقتها بالقول .. العين والدموع والسهر والحزن وكذلك النظر ووقع الحروف تقود الى فضح المستور وكشف المتدثر برداء الكتمان مهما حاول الشخص ان يكبت بواعث صدره .. وهناك من يستطيع كشفها تبعا لخبرة الحياة وتجارب الأيام ..
ثم قال .. مواقف كثيرة مختلفة بعضها مفرح ومؤلم .. ويبقى الوفاء طوق نجاة لمن امسكوا بيدي خشية الوقوع .. لمن وقفوا بجانبي أوقات المحن .. لمن تحملوا عناء مسح دموعي وقت انهيار قدراتي على التحمل .. بل الأكثر وفاء هم اولئك الذين تحملوا مزاجيتي وتقلبات تصرفاتي وتلون مشاعري تجاههم .. هذه الفئة هم اكسير الحياة الذين يشعرونك بأمل المستقبل وتفائل القدر المبهج بأن تواصل المثابرة والكفاح والصبر حتى ينبلق فجر الآماني بتحقيق المراد ..
لذلك حين يأتيك احدهم فلتحاول جاهدا أن تحسن احتوائه ، فما لجأ اليك إلا وقد وجد فيك الأمان بعد الله سواء من خلال النصح أو المشورة أو مد يد العون دون منة ..
التنهيدة يا صاحبي احدى الفرص التي يحتظنها الشخص بينه وذاته بعض من بقايا الإستبسال في مواجهة عواصف الظروف .. ومخرج آمن تحت ستار لا أحد يراني ولا يسمع أنيني ولا شكواي بيني وصدري تنهيدة هي المتنفس الأقرب لتخفيف الألم .. فقد تجد أحيانا وراء كل قسوة قلب .. قلوب كانت أرق من الورق ثم عصفت بها الظروف فكساها طبع لا تستطيع وصفه او تخيله .. وقد تنقلب موازين التعامل بينك وبينه فلا تلمه .. فلكل فعل ردة فعل والله المستعان ..
ختم بالقول وهو يهم بالرحيل .. سمعت احد الأطباء يقول أن النوم هو احد الوسائل العلاجية لتجاوز المحن فقد تكون ساعات النوم ( إن هي تحققت ) دون عناء ، مركب مريح تبحر بالنائم على شاطئ الأمل عسى أن تنفرج الكربة وتنكشف الغمه وعند الله منها المخرج ..
غادر مجلسي ثم قال اهنيك مثلك يحمل صدرا أما في اجازة مطولة عن محيط الاهتمامات والتفاعل أو ان مشوار السنين الذي ترك في مفرق الرأس طريقا شاهدا على تقادم الأيام صنع منه نموذجا من نماذج التبلد الحسي الذي لا يؤثر ولا يتأثر ..
لم استطع التعليق على ما قال سوى أنني ارسلت نظراتي الباهتة ترافقه حتى غاب عني ..
لكم أنتم خالص التحايا .. دمتم بخير …