في العلاقات الناجحة… لا قلم يكتب دون ممحاة تسامح
بقلم: ناصرمضحي الحربي
في زحام العلاقات الإنسانية، كثيرٌ من الروابط تبدأ قوية، مشرقة، مليئة بالوعود والأحلام. ولكنها، مع مرور الأيام، تتعرض لما يشبه الخدوش الصغيرة على ورقة بيضاء. بعضها يُمحى بسهولة، وبعضها إن تُرك، اتسع حتى يُفسد كل النص. ومن هنا تأتي أهمية “ممحاة التسامح” في العلاقات، تلك الفضيلة التي تُمكّننا من الاستمرار رغم الأخطاء، وتُعيدنا إلى الكتابة من جديد دون أن نُمزّق الصفحة.
التسامح في جوهره ليس تغافلاً، ولا هو تجاهل متعمد للألم، بل هو وعيٌ عميق بأن الخطأ جزء من التفاعل البشري. لا أحد يدخل علاقة دون أن يتعثر. وليس هناك حب صادق دون مواقف تتطلب الصفح، أو صداقات متينة لم تمر باختبارات صعبة.
في العلاقات الناجحة، لا يُبنى الاستمرار على المحاسبة الدائمة، بل على النية الصافية، والقدرة على العفو، والوعي بأن الاحتفاظ بمن نحب أسمى من الانتصار في لحظة غضب.
لذلك، نحتاج إلى ممحاة داخلية، مرنة، تستخدمها قلوبنا عند اللزوم. ممحاة لا تُمحى بها الكرامة، ولا تُهدر بها الحقوق، بل تُزيل ما تراكم من سوء فهم، وتُعيد تهذيب السطور لتستقيم من جديد. هذه الممحاة لا تُستخدم مرة واحدة، بل تعود في كل موقف، لأن العلاقة الناجحة ليست نصاً كاملاً من البداية، بل نص يُراجع ويُصحح باستمرار.
ليس من الحكمة أن نترك كل خطأ دون وقفة، ولا من الإنصاف أن نحاسب كل زلة بقسوة. فالمعادلة الدقيقة للعلاقات الناجحة تكمن في التوازن: أن نُدرك متى نُعاتب، ومتى نصمت، ومتى نمد يد الغفران دون أن نشعر بالهزيمة.
وفي عالم باتت فيه العلاقات سريعة، وتُنهيها كلمة أو موقف في لحظة، تصبح قيمة التسامح ترفًا نادرًا. لكن الحقيقة أن التسامح هو من يُبقي على العلاقات الحقيقية، وهو من يمنحها القدرة على الصمود في وجه المتغيرات.
ختامًا، في العلاقات الإنسانية لا يُطلب منا أن نكون مثاليين، بل أن نكون صادقين، متواضعين، قادرين على الاعتذار كما نحن قادرون على المسامحة. فكما لا يُكتب نص جميل دون محو وتعديل، لا تُبنى علاقة متينة دون تسامح يعيد صياغة المشهد بلغة القلب.