كتاب الرأي

“مجتمع بلا مرايا: كلنا ضحايا… وكلنا جلادون”

ناصرمضحي الحربي

في هذا المجتمع، الجميع يتظاهر بأنه الضحية.
والجميع يتصرف كأنه لم يؤذِ أحدًا في حياته.
الزوج الذي يخون زوجته… يتحدث عن خيانة النساء.
الموظف الذي لا يُنجز عمله… يشتكي من فساد المسؤول.
الأب الذي يكسر أولاده نفسيًا… يبكي على انهيار الأخلاق.
كلٌّ يتفنن في إدانة الآخر، وكأننا ملائكة سقطنا في مستنقع.

لكننا لسنا ملائكة… ولسنا أبرياء.

نحن مجتمع لا يحب أن ينظر في المرآة، لأنه يعرف ما سيراه:
قسوة متوارثة، كذب مغلّف بالحكمة، عنصرية مغطاة باسم “الأصول”، واستغلال باسم “النيّة الطيبة”.
نُطالب بالعدل، ونحن نظلم.
نُطالب بالحرية، ونحن نقمع.
نُطالب بالصدق، ونحن نُتقن الكذب الاجتماعي حتى صار عادة.

بل الأدهى من ذلك: أننا لا نُريد الحقيقة، نريد فقط من “يشهد معنا” على كذبنا.
نكره من يفضح الزيف، لأنه يُشعرنا بانكشافنا.
نهاجم من يُسائل المجتمع، لأنه يُقلق راحتنا في الوهم.

النفاق ليس مجرد سلوك…
إنه منظومة.
يبدأ من التربية، ويُكرّس في التعليم، ويُبارك من على المنابر، ويُكافَأ في الحياة اليومية.
والأخطر؟ أننا صرنا نراه طبيعيًا.

هل نملك الشجاعة لنكسر هذه المنظومة؟
هل نستطيع أن نبدأ بالاعتراف، لا بالمثالية؟
هل يمكن لمجتمع أن يُشفى… دون أن يواجه نفسه؟

نحن لسنا فقط ضحايا النفاق…
نحن الجلادون أيضًا، حين نُقرر أن نُشارك في المسرحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى