كتاب الرأي

حروف مبعثرة ..

 

 

ونظره لقرص الشمس وقت الغروب .. وقف ( صاحبي ) ناصبا قامته غائصة رجلاه في تراب الشاطئ مشيرا بيده اليها يخاطبها بقوله  ( رأفة بتلك القلوب والافئدة التي تتابع معك رحلة الوداع ما تبقى من عمر يومنا هذا ) فهناك من بينهم من يُقلب الهموم وبعضهم يحبس الدموع ويفتح الذكريات ، من اشتياق طال وحنين زاد وفراق حال وجرح غار وحب ضاع هل من الممكن البقاء ولو هنيهة من الوقت ..

        ثم استدار ناحيتي مسترسلا حديثه ..  ما أجمل لحظات مثل هذه ، والشمس الى خدرها بين أمواج البحر البعيد ميممة .. معلنة انتهاء رحلة كونية قدرها الله سبحانه وتعالى بدئت بجمال الشروق لتنتهي كذلك بما هو أجمل في مثل هذه اللحظات التي يحاول الكثيرون اغتنامها لتسجيل ذكرياتهم من أمكنة مثل هذا المكان الذي نحن فيه ومن معنا هنا ..

ثم اكمل وهو لا يزال متسمرا في نقطة وقوفه .. تجوّل ( وحديثه يعنيني ) بناظريك هنا وهناك في ذاك المكان البعيد الا ترى الكثير ممن يحاولون توثيق كل لحظة جميلة شكّلت لهم اثرا معينا او اثارت ذكرى خاصة .. او عصفت الذكريات و الشمس غاربه بين هذا وذاك .. بل قد يكون البعض لا يعنيه شروق او غروب .. ينظر مع الناظرين فقط ..

إنه إن جازت لي التسمية توثيق الفرح او اثبات قوة الألم .. ولا ندري أيهما سيبقى في ذاكرة الموثقين وما تحمله أجهزتهم الذكية فالكل وما يتركه تأثير تلك اللحظة  .. بحكم ظروف متعددة منها العلاقات وقوة عراها ووشائجها وقل ما شئت حول ذلك ..  

ثم أضاف .. هذه احدى لوحات الجمال الساحرة التي استودعها الباري سبحانه وتعالى فيما خلق .. ولك أن تتيقن أن ذكريات الغروب يبقى لها عبق خاص ورونق مختلف وتأثير آخر .. ربما يفوق ساعات السحر في هجعة الليل البهيم .. لسبب واحد أن غروب الشمس توثق دقائقه على امواج البحر الهادئة ونسائم الهواء مخلوطة بلون الشمس الذهبي لوحة ابداع جل في علاه من لها صور وبها اعتنى وجعل منها سلوى لخواطر المتأملين أيا كانت مشاربهم وهوى افئدتهم ..

ثم جلس صاحبي أمامي ليثبت استمتاعه الفاره بهذه اللحظات مستشهدا بقول الشاعر السيد الشريف محمد بن علي الإدريسي  عندما خاطب غروب الشمس بقوله ..

أراقَ علَى البحرِ ذوبَ الذهبْ

وفاضَ علَى مَوجِهِ واضْطَرَبْ

ورَقْرَقَ صَهباءَهُ فاحتستْ

ثُغورُ الذُّرَى وشِفاهُ الصَّبَبْ

وألقَى علَى الشمسِ مِنْ لَونِهِ

رِداءً ، وقَبَّلَها وانجذَبْ

جَلاها علَى الأُفقِ ياقوتَةً

تَوهَّجَ مِنها السَّنا والتَهَبْ

وسالَ علَى الموجِ مِنْ لَونِها

شُعاعٌ تَراقَصَ فِيهِ الحَبَبْ

فَيالَكَ مِنْ مَنظَرٍ ساحِرٍ

نَعِمْتُ بِهِ لحظَةً ، واحْتجَبْ

 نَظرتُ إلَى البحرِ فِي ساعةٍ

وقَد جَلَّلَ الشمسَ فيها الشَّفَقْ

وقَد جَمعَ الضَّوءُ أطرَافَهُ

وألَّفَ أشْتَاتَهُ ، واتَّسَقْ

ومالَتْ تُوَدِّعُ مِنْ يَومِها

نَهارًا يُودِّعُ فِيها الرَّمَقْ

تَدَلَّتْ علَى الأُفقِ فِي نَشوَةٍ

مُضَرَّجَةَ الخَدِّ والمُعتَنَقْ

طَواها وألْحَفَها صَدْرَهُ

عَظيمٌ مِنَ اليَمِّ يُدعَى الغَسَقْ

فَيالَكَ مِنْ مَنظَرٍ ساحِرٍ

نَعِمْتُ بِهِ لحَظَةً وانطَلَقْ

تَحَدَّرَتِ الشَّمسُ نَحوَ الغُروبْ

ورَانَ علَى الكَونِ صَمتٌ رَهيبْ

ولاحَتْ علَى وجهِهَا صُفرَةٌ

ولاحَ علَى الأرضِ لَونٌ كَئيبْ

أَمالَتْ بِكَفِّ السَّنا جَامَهَا

فَسالَ دَمٌ مِنْ ضِياءٍ صَبِيبْ

ومَدَّ لَها البَحرُ كَفَّ اللِّقَا

كَما يَتَلَقَّى الحبيبُ الحبيبْ

وعابَثَهَا بُرهَةً فانْتَشَتْ

وألقَتْ بِجِسمٍ نَدِيٍّ رَطيبْ

فَيالَكَ مِنْ مَنظَرٍ ساحِرٍ

يَهِيجُ الهوَى فِي فُؤادِ الأدِيب

أمام كل ما قال .. لم يكن امامي بد إلا أن انهض من مجلسي تقديرا لخياله الذي سافر مع اشعة الشمس المتوارية خلف جفن الغروب مع انكسار موج البحر في وقت كان السكون يلفنا وما حولنا ولا تسمع من الاصوات المجاورة الا كلمات غير مفهومة الكل على شاكلته وطريقته ..

        اقنعته بأن وقت صلاة المغرب قد حان ومعه حان رحيلنا على أمل أن نعود ..

                                                      والى لقاء بكم يتجدد دمتم بخير …!!!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى