حروف مبعثرة ..!!
صاحبي المتعب لنفسه ثم لي .. سألني ذات مرة .. ما هو شعورك وأنت تجد نفسك تبكي في مكان ضحكت فيه كثيرا.. اليس هذا مؤلم لك .. ؟؟
تعجبت من سؤاله الصاروخي هذا الذي طوى ذكريات سنين هي جزء من عمره بحلوها ومرها .. اعتذرت له عن الإجابة الشافية أمام سؤال تحكمه عوامل عدة مشاعر وذكريات لا يصفها بدقة سوى صاحبها الذي ابكته الأيام بعد أن اضحكته ..
ثم سألته ولماذا تبكي وقد غادرت الأجساد تلك الأماكن وتعاقبت على ساعات عمر الرحيل كثير وكثير من الذكريات بشتى صورها .. أجاب صحيح لكنه فات عليك ان تعلم أن بعض القلوب التي حملتها تلك الأجساد لا تزال دفينة ذكرياتها مهما تباعدت المسافات .. ومن الصعوبة أن تمنع قلبك وأنت تضع يدك عليه من تسارع دقاته نتيجة الألم الذي أحاط به .. لكن من السهل جدا أن تضع يدك على فمك لكي لا تنطق بحرف واحد لتصف ذلك الألم إن أنت استطعت تحمله .. وبين الوضعيتين فوارق شتى فالألم يبقى الما مهما دفعت بكل الوسائل لمنعه او التخفيف منه ..
ختم اسئلته التي لا أرى اجوبة مقنعة لها بقوله ، الا يكفي كل هذا العناء ليعلم العالم بأسره ان الأمور لا تسير الى خير .. وليعلم كذلك أن الألم الذي يجبرنا على الصمت أشد إيلاما من ذاك الذي يدفعنا الى التأوه والشكوى .. ثم أشار في وجهي بسبابته قائلا .. صدقني أن هناك قلوب تبكي بحرقة والم يجاوز بكاء العين التي تكون دموعها المنهمرة وسيلة تخفيف تسيل بلطف على الخدود المتلقية لتلك الدموع الحرى ..
تمنيت منه ان يخفف من حدة تشاؤمه قليلا خاصة ونحن نعلم أن الإنسان في هذه الحياة تجدد فيه العثرات سبل الكفاح والمحاولة والنهوض منها بروح انشط وانزه مثله كقلم الرصاص التي تبريه ليكتب من جديد بخط أجمل .. وما العمر الا دواليك بين نهوض وسقوط حتى تكون النهايات التي لا عودة بعدها .. وهي سنة العبيد في عالم المعبود سبحانه ..
وكان لا بد لحديثنا أن ينتهي عند نقطة الإقناع .. لي أو له .. فرأيت من الإحسان ان تكون الخاتمة بيدي فقلت له .. ما أجمل أن يكتفي الانسان بنفسه حتى يصبح وجود الناس في حياته امر مألوف ومحبب .. شرط أن لا يكون ذلك الوجود سببا في شقاء الروح المتعبة اصلا بهموم ومشاغل ومسئوليات الحياة .. ليعتاد مع الزمن ان غيابهم لن يضره ولن يجلب له بعض المتاعب التي لا تحتملها بعض الأرواح رهيفة الإحساس ..
ثم اردفت هناك من الذكريات لا يصورها القلم ولا يستطيع اللسان صوغ معنى شاف لها .. فتبقى حبسية غرف القلب المحيطة بها لا يستطيع احد مهما كانت فراسته استنباطها او اكتشاف مكنون بواعثها ودوافعها .. مالم تبعد يدك عن فمك لتقول ما أنت تعاني من الم ..
قام من مجلسه ودعني غير مقتنع بما سمع وهو يمسح بقايا دموع ذكرياته .. رأفت لحاله واخذت طريقي لوجهة اخرى .. ولي معكم لقاء قريب .. دمتم بخير ..