الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

خيانة رفيقٍ لعين: بداية حياة جديدة

بقلم/ ناصرمضحي الحربي

بعد رحلة عمرٍ طويلة، أمضيتها في صحبة شريرة وأخوة مريرة مع رفيق الدرب المدعو بـ”بكت الدخان”، أدركت أن هذه العشرة لم تكن إلا وهمًا قاتلًا. سنين ضاعت وأنا أظن أني أمتلك شيئًا، وأنا في الحقيقة كنت مملوكًا، مستعبدًا، مقيدًا بسلاسل من وهم ورماد.

فجأة، وسط هذا السواد، قفزت الفكرة: الهروب، الخيانة العظمى لعشرةٍ لا تستحق الوفاء، التمرد على رفيقٍ خذلني بصمته، وأحرق أيامي بأنفاسه السامة. أردت البحث عن بديل، عن خلاص، عن قشة أتمسك بها في محيط يغرقني… فوقعت في فخ “السحبة الإلكترونية”، ظننتها شاطئ النجاة، فإذا بها صخرة أخرى تحطم مراكبي الهشة.

رحت أرافق البديل الجديد، السحبة الأنيقة، الأمل الرقمي الكاذب. في البداية كانت الرفقة ناعمة، تخدعني بنعومتها ومظهرها البريء، لكن سرعان ما سقط القناع. لم تكن أوفى من سابقها، بل كانت أشد فتكًا، وأمضى سُمًا، وأقسى لعنةً. الأخطار تضاعفت، والمعاناة تضخمت، حتى أدركت أنني قد خُدعت مرتين: مرة حين وثقت بـ”بكت الدخان”، ومرة حين صدقت أن “السحبة الإلكترونية” خلاص.

دخلت في صراع داخلي شرس، حربٍ لا تهدأ ولا ترحم. كان عليّ أن أختار: إما أن أستمر في مصادقة الموت البطيء، أو أن أعلنها حربًا لا هدنة فيها على كل رفيق أذلني وأوجعني وخانني.

وكان القرار: الخيانة الكبرى. خيانة لكل صداقةٍ وهمية، لكل عادةٍ قاتلة، لكل لحظة ضعف. خنت رفاق الألم، وهجرتهم إلى غير رجعة. ومذ ذلك اليوم، وأنا أمضي في طريقٍ جديد: طريقٍ بلا دخان ولا رماد، بلا ندم ولا قيد.

اليوم، أعلنها بلا تردد: أنا إنسان جديد. لا عودة إلى الوراء. لا عهد مع الألم، ولا صلح مع المعاناة. طويت صفحةً سوداء، ومضيتُ أكتب سطورًا بيضاء، طاهرة، خالية من دخان الخديعة.

لم تكن الخيانة لتلك الصحبة المسمومة ضعفًا مني، بل كانت أعظم انتصار حققته في حياتي.
اليوم، وأنا أخطو خطواتي الأولى في عالمٍ نقي، دون دخانٍ يخنقني أو سُحبٍ تخدعني، أدركت أن بعض الحروب لا تُخاض إلا ضد أنفسنا القديمة.
وأن بعض الأصدقاء، لا يستحقون سوى أن نتركهم مدفونين في ظلمة النسيان… إلى الأبد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى