الكتاب.. حين تكون الحروف أعمدة للنجوم
بقلم/ ناصرمضحي الحربي
قد يبدو الأمر غريبًا للبعض عندما أقول إن الكتاب ليس مجرد أوراق وصفحات، بل هو بوابة تتجاوز حدود الوقت والمكان. الكتاب هو شرفات تطل منها على عوالم لا نهائية، أشبه بخطوات المشتاق الذي يرى في الأفق مدينته الحلم.
لكن بيننا فئة لا تزال تؤمن أن القراءة هي رفاهية تُركن بجانب فنجان قهوة أو تسلية وقتية تُنافس برامج التلفاز؛ ولعلّي سمعت مرة من أحدهم وهو يبتسم بحذر قائلًا: “القراءة؟ ما زالت تشبه المحاضرات الطويلة التي كنت أتجنبها في الجامعة!” وقد كنت أود أن أشرح له، لكنني اكتفيت بأن أراقب عيناه الممتلئتان بحيرةٍ، كأنها تقول لي: “ربما تقنعني يومًا!”.
ولأنني مؤمن أن الله يخبئ فينا شغفًا ينتظر الاكتشاف، أضع بين يديك اليوم وجهة نظر بسيطة: الكتاب هو حوار، ليس مع المؤلف فقط، بل مع نفسك؛ فهو مرآة تعكس لك ما لم تدركه سابقًا.
خذ مثلًا رواية تقرؤها عن مغامر في أدغال أفريقيا. قد تبدأ بالرواية وأنت تبحث عن متعة القصة، لكن سرعان ما تجد أن الأدغال تستحيل إلى أزقة في قلب حياتك اليومية، فتفكر: ما الأدغال التي أخوضها يوميًا دون أن أدرك؟!
أما الشعر، فقد يكون أكثر دهاءً حينما يخبرك بما تعرفه بالفعل، لكنه يصوغه بطريقة لم تتوقعها قط. كأنما ترى في الكلمات ألوانًا بدت خفية من قبل، وربما يخيل لك أن النص لم يكن من تأليف شاعر، بل هو من كتابات قلبك الذي قرر أن يبوح.
ولعلّي أختم كلامي بجملة تبدو حقيقية جدًا بالنسبة لي، تلك الجملة التي ترددت بين صفحات الكتب المميزة:
“الكتاب ليس ما تقرؤه، بل هو من يقرؤك.”
فهل تجد نفسك بين سطوره؟ أم أن اللحظة لم تأتِ بعد؟
ناصرمضحي الحربي
صحيفة وقع الحدث
الإثنين28 أبريل 2025