كتاب الرأي

حروف مبعثرة .. !!!

 

أعجبتني مقولة لأحدهم ( تحلمُ الشمسُ أن تخرُج في نزهةٍ لا تنتهي بالغروب !!!) ..

اسقاطية قوية في التصوير ( المجازي ) لمشاعر الشمس وهي تبزغ من خدرها لتضيء سماء الكون الفسيح .. بعد ليل أسدل ستره وستاره على سكان المعمورة .. وكيف اطلق القائل عنان أفكاره دون ترو أو تبصر فيما استوحاه أن الشمس تتمنى أن لا يأتي وقت الغروب لتبقى في كبد السماء مشعة ..!!

العجيب فيما تقدم  ذكرة .. هذه السطوة القوية لمشاعر وتخيلات البعض على سرد ووصف ما لا يمكن توقعه أو تصوره .. لكم أن تتخيلوا معي هذا البعد المجازي في التصوير الفكري له وحده .. دون غيره ..  

السؤال الحاضر .. من منا يتخيل تحاور فيما بين الشمس والقمر خاصة أنهما آيات من آيات الله سبحانه وتعالى ارتبطا ارتباطا وثيقا بالإنسان منذ بدء الخليقة على هذا الكوكب ..

تستحيل الحياة بدونهما وما سواهما من الأجرام السماوية وللخالق تبارك وتعالى حكمة في ذلك لا نملك أمامها إلا أن نقول ( سبحان الخالق فيما خلق ) ..

رغم كل ذلك يبقى تباعد بين هذا وذاك مثلما بين المشرق والمغرب ..

 فلكل منهما عشاقه ومحبيه …

ولكن  .. هل لنا أن نسأل أنفسنا كذلك دام محور حديثنا هنا بين ( شمس وقمر ) .. ،  

متى تكون المشاعر مبهجة للبعض منغصه للبعض الآخر ( ليل أم نهار ) ..

وحدهم  من عاشوا وتعايشوا مع لحظات المعاناة هم من يستطيعون توصيل أدق وصف لسؤالنا التائه في مساحة فضاء الحرف وكأننا عند طرحنا له نتوقع أن نجد الإجابة المقنعة ..

وهذا ما يجعل كثير من رواد فن التصور والتخيل والسفر بعيدا بأفكارهم المتجنية دائما على واقع الحقيقة ..  يكتبون من بنات افكارهم إما نتيجة تجارب شخصية .. أو معاناة مروا بها .. او قصص تواردت على اذانهم .. او أنها ملكات وخلجات تكونت لديهم ، ساعد في خروجها بشكل ملفت مرصود فكري ثقافي لغوي أمكن منهم صناع للحرف الموحي لحجم تلك المعاناة وهيئتها وصورتها .. حتى خرجت للقاريْ الكريم في قالب مشوق يستحق المطالعة والتلذذ بكل حرف قد يدل على رمزية معينة في نفس المتابع .. وقس على ذلك كثير وكثير مما لا نستطيع الاحاطة به وصفا جامعا مفسرا بجلاء في هذه العجالة ..

إنما يجب أن نعترف ضمنا أن العرب كانت تميل الى القمر أكثر منه للشمس فوصفته بدرًا ليلة اكتماله

وقد أطلق كثير من الشعراء والعشاق أوصافا عديدة على بعض ما يروق لهم سواء أكانوا أشخاص او غيرهم .. فالجمال وابداع الخالق تبارك وتعالى لا يقف عند شيء محدد بعينه ..

غير ذلك فالقمر سراج الليل ورفيق الترحال والسفر وضوء مبهج مريح للسمار في مجالسهم تحيطه الكواكب منثورة .. هذا المنظر البديع لن تراه أو تستلذ به إلا في الخلاء الفسيح أو بين الحقول المخضرة في ليالي الشتاء الجميل مع نسائم الليل الباردة ..

وللعشق الوثيق بينهم والقمر وصفوا من هوته أفئدتهم بالقمر .. أو البدر ..  ولا يلامون في ذلك فليس أبدع وصفا وأكمل منظرا من القمر ليلة اكتماله ..

ولم يغب عن بال بعض الشعراء بعد رؤيتهم سنا الشمس والقمر أن يضربا بهما المثل في مواطن مختلفة منهم الشاعر ( عنترة ) الذي قال في احدى قصائده واصفا محبوبته  :-

 أشارت إليها الشمس عند غروبها

تقول إذا اسودَّ الدجى فاطلعي بعدي

وقال لها البـدر المنيـر ألا اسـفري

فإنك مثلي في الكمال وفي السعدِ

فَوَلَّـت حَيــاءً ثُــمَّ أَرخَــت لِثــامَها

وَقَد نَثَرَت مِن خَــدِّها رَطِبَ الوَردِ

 وَسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِها

 كَسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَفِ الحَدِّ

 تُقاتِـلُ عَينـاها بِــهِ وَهــوَ مُغمَـــدٌ

 وَمِن عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ في الغِمدِ

 ولو لم يقل إلا عجز هذا البيت الأخير لكفاه ليضع السامع والقاريْ في حيرة مبهرة إن استطاع تصور كيف مزج هذا التصور العجيب .. ومن عجب أن يقطع السيف في الغمد ..

ويُحكى أن امرأةً من ثقيف مرَّت بأحد الشعراء أثبتت كثير من المراجع اللغوية أنه  الشاعر ( حسان بن ثابت ) ، وسرَّه منها ما رأى فاختار الشمسَ وصفًا لها:

طافَت بِنا شَمس النهار وَمَن رَأى

مِنَ الناسِ شَمسًا بِالعِشاءِ تَطوفُ

أَبو أُمِّها أَوفـى قُرَيشٍ بِذِمَّةٍ

وَأَعــمامُها إِمـا نَسَبتَ ثَقيفُ

هنا نعذر القائل في مستهل هذه المشاركة المتواضعة ..  ( تحلم الشمس أن تخرج في نزهة لا تنتهي بالغروب ) خاصة وقد وقفنا على تجاوزات فكرية أدبية خيالية جاوزت الإقتناع من بعض المطلعين لقوة ورصانة وغور الكلمة ومعناها ..

ما راق لي هنا أنقله لكم .. والرأي لكم أنتم في قبوله أو رفضه …

دمتم جميعا في كنف الباري …

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى