حروف مبعثرة …
صديقي الذي أحبه كثيرا زارني هذا المساء ليروي لي احد مغامراته الصاروخية فيقول :-
صاحبيا وأنا معهم قررنا نعمل بسطه نبيع فيها الورد والريحان والكادي وبعض الاشجار العطرية .. على الفور اخترنا المكان والزمان والبضاعة وهرولنا الى تجهيز المكان ورص الأرفف ثم بدأنا نبحث عن الممولين لنا في سوق الورود والزهور فلم نجد الا بعض التجار ذو الامكانات المحدودة ؛ ولآننا مندفعين الى درجة الهوس كان لا بد لنا أن نبدأ .. خاصة وقد اختلفنا مع صاحب السوق القديم الذي مكثنا لديه قرابة السبع او الثمان سنوات ..
فعلا ( والكلام على لسانه ) بدأت ومعي صاحبيا في عمل الديكورات اللازم والاضاءات المخفية والظاهرة انطلقنا بزهورنا وورودنا وروائح عطرنا وكنا نتمنى ان يكون لنا اسم رنان طنان في سوق الورود .. بل إن رؤانا كانت كبيرة في اكتساح عالم العطريات بإنتهاز بعض المناسبات مثل عيد الحب .. ويوم الكره .. وعيد الفلانتايم ( هذا المسمى الذي سمعت به مؤخرا ولم امارسه يشهد الله ولا اعرف عنه غير هذا الاسم ) .. وعيد الخمير.. والعصيدة .. وطرحنا الكثير من الافكار والنماذج الموافقة لهذه المناسبات املا في ان نخرج بشيئ جديد ..
وكما تعلمون فعمل جبار مثل هذا يحتاج لفريق متخصص مخر البحر بكراعه .. وصال وجال في الدنيا بطولها وعرضها من خلال اختيار الوقت والزمان والرائحة العطرية المناسبة ..
واصدرنا اعلانا كبيرا لم نبق شاردة ولا واردة ولا عمود ولا جدار من جدران قريتنا الا ووضعنا عليها ملصقا ان هلموا الينا اعينونا بخبراتكم وما لديكم لنخرج في يوم العيد بثوب جديد مطرز بأجمل الورود وانقاها .. بل واقواها رائحة عطرية فواحة .. ترضي أذواق زبائننا الكرام ..
من ضمن جهودنا ورؤانا التي لا حدود لها خرجنا بمسمى جديد لبسطتنا المتواضعة اسميناها .. ( المركاز الوردي) ولله الحمد توافد الينا المختصون الراغبون في الحصول على ورود جميلة لإهدائها لمحبيهم في مناسبات مختلفة ..
انتثر العطاء ، لكنه كان عطاء مربوط بفوائد خاصة تهم بخصوصية ريحها زوارنا الكرام ومحبيهم .. ومع ذلك كان سوقنا مفتوحا طيلة 24 ساعة اتباعا لنصيحة احد تجار الجملة الذي اشار علينا بذلك
وتوافقا مع اصحاب مهنتنا التي لا تقفل لا ليل ولا نهار .. خوفا من أن تطيح وردة شاذة في مناسبة معينه فلا يسعفنا الوقت الحصول عليها او تسجيل قدم السبق لنا عرضها في سوقنا المفتوح وهي لا تزال ندية يفوحأ أريج عطرها ..
مع مرور الوقت اكتشفنا اننا تسرعنا كثيرا في تحميل انفسنا فوق طاقتها بجهود اشخاص لا يهمهم سوى خدمة زبائنهم الخاصين .. وفعلا تحقق فينا قول الشاعر ( على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. ) ..
لا ننكر فضل من ساهم معنا في ترويج بضاعتنا بل ونقدم لهم خالص الشكر والتقدير فلولا ( هم ) ما كان لنا من وجود في هذا السوق الذي يحتاج لتنافس محموم وجهود جبارة وكياسة وفطنة في اختيار نوعية الورد المرغوب تقديمه وتوافقه ذات الوقت والمناسبة .. وقد يكون معهم العذر ونحن نلوم .. فحتى من يقوم بشم أكثر من ريحة عطرية يختلف عليه التمييز وقد وصل لمرحلة التشبع أو أن له رائحة معينة لايسعى لشراء غيرها لشخص بذاته ومقامه ومركزه .. لذلك فالجهود تكاد تكون محدودة ..
وسعيا للتطوير ( كبروني زملائي جميعهم ) بتعييني سائق الصهريج الذي يغذي حوض الورد بالماء المحلى حتى لا تذبل اوراق الورود .. واشركنا معنا بعض الأحبة والزملاء فكان المنسق للإضائة الداخلية والخارجية وزوايا الألوان احد زملائي .. أما زميلنا الثالث فكان ينظر لبضاعتنا المعروضة ويشير بسبابته في وجيهنا جميعا بقوله لكل منا ( احسنت ) ..
واعترف لكم صادقا كوني سائق كسول وشخص هرم كنت اتأخر في جلب الماء المحلى لحوض الورود .. وفي احيان كثيرة كنت اصيح من أعلى رأس الصهريج لعموم من شاركنا البيع في سوقنا اين انتم اين جهودكم ساعدوني على تغذية أحواض الزهور .. بل وسعى زميلي المعني بالأشياء الفنية لتوجيه الإضاءة يمنة ويسرة وتخفيف وهجها من زاوية لأخرى .. وشحذ همم الاحبة معنا لكنها كانت جهود واهنة هدتها مشاوير السنون خاصة ونحن مخرجات السوق القديم وما سبقه ..
واخيرا رأينا ان جهودنا تذهب سدى بالسعي وراء سراب لعدة امور اهمها ان بسطتنا لم تكن حاصلة على ترخيص مزاولة المهنة من الجهة المسئولة عن تنظيم السوق الوردي ..
أما الموجع فعلا فأغلب الاحبة العاملين الذين توافدوا لمساعدتنا كانوا قد استنزفوا طاقتهم في طول السوق وعرضه على سنوات ولت وافلت لذلك كانت معاونتهم لنا هي من باب تحصيل حاصل وارضاء لبعض محبيهم فقط لا غير .. بل أنهم لا يملكون القدرة الفنية الممكنة لصناعة ( باكو ورد مميز يحمل من اللمسة الفنية والروائح العطرية ما يجعلك تشيد به .. بل أن اكثر بضاعتنا لم تكن مزجاة وانما تقليد لما هو مطروح لدى الباعة امثالنا ..
وعليه فإنني ارجو من الله سبحانه وتعالى ان يحنن قلوب صاحبيا بالموافقة على تقفيل بسطتنا هذه وتقديم الشكر وعظيم التقدير لزملائنا الذين لازالوا يطلون في سوقنا بين فينة واخرى ببعض الورود الذابلة في ايديهم وقد كسدت وبارت فيرمون بها هنا املا ان تسعد زوارنا الذين يعدون على اطراف اصابع اليد الواحدة ..
حقيقة مؤلمة لمشروعنا المتواضع هذا .. وذلك ليس بغريب على بعض القرارات المتسرعة التي ينقصها بعض من الترو المراس والخبرة في البيع والشراء وتقديم الاجود بما يرضي المتذوق وعشاق اريج وشذى العطور في حديقة الورود الواسعة .. دمتم بخير ..