الأسرة والمجتمع

بشارة طفل

{قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ… …} [البقرة : 144] جاءت هذه الآية بشارة لرسولنا ، وأنه في عين الله ورعايته ﷺ، وإشارة لأرضه ووطنه؛ الذي طالما ركض عليها، ورعى وترعرع فيها، لأنها تدل على رحمة الله تعالى بعباده، وحرصه على هدايتهم إلى الصراط المستقيم.

ففيها بشارات عديدة تتفتق بالتأمل والتدبّر…
{قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ …} [البقرة : 144]
مع التأمل والتدبّر وسؤال أهل العلم لتفسير وتوضيح الآية؛ تتضح بشارات عديدة، ومنها:
• انتصار الإسلام: تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة كان علامة على انتصار الإسلام، وظهوره على الدين كله.
• وحدة المسلمين: جعل الله تعالى الكعبة قبلة للمسلمين جميعاً، ليوحّد صفوفهم ويجمعهم على كلمة واحدة.
كما تحمل دلالات تتركز في الآية الكريمة “قد نرى تقلب وجهك في السماء” تحمل معاني والدلالات، فهي بشارة على ذلك بشارة لإظهار ووحدة، وبشارة بانتصار الإسلام، وبشارة بوحدة المسلمين.
كما أن دلالة تقليب الوجه في السماء دلالة الالتفات به أي تحويله إلى جهته الأصلية. في هذا السياق، يُشير التقليب إلى ترديده في السماء كناية عن التوجه بالدعاء والرجاء من الله تعالى.
ومنها بعض الشواهد على ذلك:
• في القرآن الكريم:
• سورة البقرة، الآية 144: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 115]
• في الحديث الشريف:
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول ﷺ: “إذا سألتم الله تعالى فاستقبلوا القبلة”
• وإليك بعض التفسيرات والمعاني الإضافية لرمز تقليب الوجه في السماء:
• التوجه إلى الله تعالى: يُشير تقليب الوجه إلى التوجه بالدعاء والرجاء إلى الله تعالى، فهو القادر على إجابة الدعاء وتحقيق الأمنيات.
• التوكل على الله تعالى: يدل تقليب الوجه على التوكل على الله تعالى، فهو وحده المالك للقدرة على تغيير الأمور وتحسينها.
• التفاؤل والأمل: يُشير تقليب الوجه إلى التفاؤل والأمل في رحمة الله تعالى وعفوه.
• ومنها الحنين للوطن وتقليب الوجه إلى السماء دلالة الدعاء والترجي لسكن الوطن.
فكان حنين رسول الله ﷺ لمكة المكرمة أمر بدهي ومن طبيعة البشر الحنين للأوطان، وقد كان رسولنا الكريم ﷺ من سكان مكة المكرمة، وله فيها ذكريات الطفولة والشباب، ومحطات إيمانية عظيمة.
وقد عاش فيها ﷺ ٥٣ عامًا، بُعث فيها بالرسالة، وواجه فيها الأذى والاضطهاد. كما فقد الدعم النفسي له ﷺ، من قِبَل خديجة أم المؤمنين، وعمه أبو طالب. ليؤنسه الله عزو وجل بالإسراء والمعراج.
وبعد هجرته إلى المدينة المنورة، بقي حنينه لمكة حاضرًا، يحن لوطنه، ويتمنى العودة إليها.
ولكن الله ﷻ أنزل آيات تكشف عن حكمة إخراجه من وطنه من مكة المكرمة؛ لأن مكة ليست هي وطنه الحقيقي، إنما الجنة هي وطنه الحقيقي.
وتظهر هذه الدلالة في هذه الآيات:
• سورة الحج، {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج : 40]
• {۞ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح : 18]
• في سورة الحج.. {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج : 27]
لقد صبر رسول الله ﷺ على هجرته من مكة، وتحمّل المشقات في طريق سفرن وفي سبيل الدعوة إلى الله تعالى.
وكان ﷺ يردد دعاءً يدل على إيمانه وتوكله على الله تعالى: “وعن أَبي الدَّرداءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: كانَ مِن دُعاءِ دَاوُدَ عليه الصلاة والسلام: “اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن نَفسي، وأَهْلي، ومِن الماءِ البارِدِ” روَاهُ الترمذيُّ وَقَالَ: حديثٌ حسنٌ..”
وكان حنينه لتلك البقاع وكان لا يتوانى في نصرة المحتاج، وسقاية الحاج، برحمة الله قد أصبح في يد المسلمين الذين ينصرون دين الله إنه القائد الملك عبدالعزيز وأبنائه الذين اجتهدوا لحماية الدين ومقدساته ومقومات القوة لديهم؛ التي تنبع من اهتمامهم بلغة القرآن. رحم الله الملك عبد العزيز وأبنائه، فقد كانوا قادةً عظماءً اجتهدوا لنصرة دين الله وحماية مقدساته. اهتموا بلغة القرآن الكريم، وجعلوها أساسًا لمقومات القوة في بلادهم.
ومن أهم إنجازاتهم في هذا المجال:
• تأسيس المدارس والمعاهد الدينية لنشر تعاليم الإسلام الصحيحة.
• طباعة وتوزيع القرآن الكريم في جميع أنحاء العالم.
• دعم حفظة القرآن الكريم وعلمائه.
• ترجمة معاني القرآن الكريم إلى عدة لغات.
• إقامة المسابقات القرآنية لتشجيع حفظة القرآن الكريم.
وقد كان لهذه الإنجازات أثرٌ كبيرٌ في:
• تعزيز الإيمان في قلوب المسلمين.
• نشر ثقافة الإسلام في جميع أنحاء العالم.
• حماية الدين من البدع والضلالات.
وإننا ندعو الله تعالى أن يرحم الملك عبد العزيز وأبنائه وأن يتقبلهم في جنات النعيم.
وعلى هذا كان حنين رسول الله ﷺ لمكة حنينًا إيمانيًا، فكان يحبها لأنها مهبط الوحي، وبيت الله الحرام. ورغم ذلك وإيمانه بالله تعالى كان أقوى من حنينه، فصبر على هجرته، وواصل دعوته إلى الله تعالى، ليتجلّى حنينه الأسمى عند الله -عز وجل –
إنّ حنين الإنسان لموطنه الحقيقي في جنة الخلد هو حنينٌ فطريٌّ يملأ قلوب المؤمنين، وهو حنينٌ يُؤدّي إلى السعادة الأبدية.

 

كتبته/ هند إبراهيم السعوي
ماجستير- اللغة العربية- جامعة القصيم- كاتبة ومدققة.

حصة بنت عبد العزيز

‏كاتبة مهتمة بالمجال الصحفي، أرى أنه إلزاما علي، أن يكون ماأقدمه للقارئ، ثروة حقيقية يتمتع بها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى