الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

البيت الأبيض حين يفتح بواباته للشرق

كتبها – ناصرمضحي الحربي

في صباح أمريكي مشحون بالرمزية، بدا البيت الأبيض كأنه يشهق دهشة وهو يستقبل ضيفاً يتقد حضوراً؛ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. هناك، عند البوابة الجنوبية تحديداً، وقف الرئيس دونالد ترامب ينتظر. مشهد لا يحدث كل يوم، ولا لكل زائر، لكنه يحدث عندما تتقاطع المصالح مع التاريخ، وعندما يلتقي رجلان يشتركان في عناوين مرحلة تتشكل من جديد.
لم يكن استقبالاً بروتوكولياً عادياً؛ واحد وعشرون طلقة مدفعية مزقت صمت العاصمة، وست مقاتلات حلّقت فوق البيت الأبيض كأنها توقّع في السماء وثيقة صداقة عمرها تسعون عاماً. خطوات الرجلين في أروقة المكان العريق حملت بين جنباتها سرداً غير معلن؛ صور الرؤساء السابقين تنظر إليهما من الجدران، كأنها تشهد على فصل جديد يضاف إلى سجل العلاقات بين الرياض وواشنطن.
أما الاجتماع المغلق في المكتب البيضاوي، فلم يكن مجرد محادثة بين زعيمين، بل كان طاولة تُعاد فوقها صياغة خرائط قوة، من الدفاع إلى الطاقة النووية المدنية، ومن التكنولوجيا الحديثة إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الاستثمارات العابرة للقارات إلى موازين السياسة الدولية الثقيلة.
سبع سنوات غاب فيها الأمير محمد بن سلمان عن واشنطن، لكنها لم تكن سنوات فراغ، بل سنوات تغيّر فيها الشرق وعاد ليمسك بمفاتيح مستقبله. لذلك جاءت الزيارة محمّلة بثقل التحولات الإقليمية وبآمال الشراكة في زمن مضطرب، وبأسئلة الأمن والاستقرار في عالم لا يهدأ.
ترامب قالها بوضوح: العلاقات في أفضل حالاتها. ربما كان يقصد العلاقات السياسية، وربما الاقتصادية، وربما كان يقصد شيئاً أكبر: مرحلة جديدة تتجاوز لغة التحالف التقليدي إلى مسارات أكثر عمقاً وتنوعاً.
وفيما تتردد الأحاديث عن صفقات دفاعية متقدمة، واستثمارات ضخمة في الطاقة والتقنيات المستقبلية، يبقى المشهد الأوسع هو ما يعنينا: تلك المسافة الطويلة التي قطعتها العلاقات السعودية–الأمريكية منذ بداياتها، وها هي اليوم تفتح صفحة أخرى، أقرب إلى إعادة تعريف مفاهيم القوة في المنطقة.
زيارة ولي العهد إلى البيت الأبيض لم تكن مجرد مناسبة رسمية، بل كانت حدثاً يذكّرنا بأن السياسة ليست بيانات بقدر ما هي صور ورموز وإشارات. وأن الدول الكبرى ــ مهما اختلفت مصالحها ــ تدرك جيداً وزن المملكة، ووزن من يقود مشروعها اليوم.

في مضامين هذا المشهد، يمكن القول إن واشنطن تحدق نحو الرياض كما لم تفعل من قبل، وإن المنطقة تستعد لمرحلة تُكتب فيها المعادلات بمداد جديد… مداد الشراكة، والاستثمار، والتحولات الكبرى التي لا تنتظر المترددين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى