الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

اخبار محلية

شراكة راسخة ورؤى مشتركة

وقع الحدث _ واس :

منذ أن التقت رؤية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله– بحكمة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، تشكّلت ملامح علاقة استثنائية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؛ علاقة تخطّت البعد السياسي والاقتصادي لتصبح شراكة إستراتيجية راسخة تقوم على الثقة المتبادلة وتلاقي المصالح، وقدرتها المستمرة على مواكبة التحولات الدولية.

وتؤكد هذه العلاقة الممتدة مكانة المملكة بوصفها قوة إقليمية مؤثرة، فيما وجدت الولايات المتحدة في المملكة شريكًا موثوقًا في ملفات الطاقة والاقتصاد والسياسة والأمن. وقد بدأت جذور التعاون منذ ثلاثينيات القرن الماضي بتوقيع اتفاقية الامتياز النفطي عام 1933، ثم تعزز هذا المسار مع اكتشاف النفط الذي منح المملكة دورًا محوريًا في أسواق الطاقة العالمية.

وكان اللقاء التاريخي على متن الطراد الأمريكي كوينسي عام 1945 بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت لحظة تأسيسية للعلاقة الحديثة، حيث أُرسيَت خلالها مبادئ التعاون في الأمن والطاقة والاستقرار الإقليمي. ومنذ ذلك الحين واصلت الشراكة نموّها رغم تغير الإدارات الدولية.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية اكتسبت العلاقة بُعدًا جديدًا؛ إذ أسهمت الولايات المتحدة في دعم القدرات الدفاعية للمملكة وتزويدها بالتقنيات المتقدمة، فيما أدت المملكة دورًا محوريًا في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.

وفي السنوات الأخيرة، حافظت المملكة على توازن سياسي في علاقاتها الدولية، بينما رسخت تعاونها مع الولايات المتحدة بوصفها شريكًا رئيسًا. وانعكس ذلك في الاتفاقيات المتنامية في مجالات الطاقة والتجارة والأمن والدفاع، إضافة إلى التبادل الثقافي والعلمي وتنسيق الجهود داخل مجموعة العشرين.

وسجّلت الزيارات الرسمية محطات بارزة في تطوير العلاقات، بدءًا من زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة عام 2015، مرورًا بزيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2017 و2018، وصولًا إلى القمة مع الرئيس الأمريكي الأسبق جوزيف بايدن في جدة عام 2022، وما شهدته من مباحثات واتفاقيات واسعة.

وفي مايو 2025، جاءت زيارة الدولة للرئيس دونالد ترمب إلى الرياض لتؤسس لمرحلة تعاون جديدة، تم خلالها توقيع وثيقة الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية وعدد كبير من الاتفاقيات في مجالات الدفاع والطاقة والبحث العلمي والفضاء، ومنها اتفاقية تعاون بين وكالة الفضاء السعودية ووكالة ناسا ضمن مشروع “كيوب سات” في إطار مهمة أرتميس 2.

كما شهد منتدى الاستثمار السعودي – الأمريكي بالرياض في الشهر نفسه إعلان اتفاقيات تفوق قيمتها 300 مليار دولار، في إطار فرص شراكة تبلغ 600 مليار دولار، بما يعكس متانة التعاون الاقتصادي. وشمل المنتدى إعلان الرئيس ترمب بدء إجراءات رفع العقوبات عن سوريا بعد مشاورات مع سمو ولي العهد، إضافة إلى لقاء رباعي عبر الاتصال الهاتفي لبحث مستقبل الاستقرار في سوريا.

وتتوافق رؤى البلدين تجاه قضايا المنطقة، خاصة جهود إنهاء النزاع في غزة، ورفض ضم الضفة الغربية، ودعم الحلول السياسية وإنهاء المعاناة الإنسانية.

وفي المجالات الدفاعية، يعود التعاون بين الجانبين إلى عقود طويلة، شمل التطوير العسكري وتوطين الصناعات الدفاعية، تماشيًا مع مستهدفات رؤية 2030 بتوطين 50% من الإنفاق العسكري.

اقتصاديًا، بلغ حجم التجارة بين البلدين 32 مليار دولار عام 2024، فيما تُعد الولايات المتحدة أهم وجهة لاستثمارات صندوق الاستثمارات العامة بنسبة 40% من محفظته. وتعمل في المملكة أكثر من 1300 شركة أمريكية، منها 200 شركة اتخذت الرياض مقرًا إقليميًا لها.

وفي قطاع الطاقة، وقّعت أرامكو 34 مذكرة تفاهم مع شركات أمريكية كبرى بقيمة تقارب 90 مليار دولار، إلى جانب مشاريع عملاقة مثل “صدارة” مع شركة داو، واستثمارات أرامكو في الغاز الطبيعي المسال في تكساس.

وفي المجالات الحديثة، برز التعاون في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية بقيمة استثمارات تتجاوز 13 مليار دولار، إضافة إلى الشراكات في الصحة والبيئة والبحث العلمي والتعليم، حيث يدرس 14,037 طالبًا سعوديًا في الجامعات الأمريكية، وتوقّعت المؤسسات التعليمية 289 اتفاقية تعاون.

أما في الثقافة والفنون والتراث، فقد توسعت الشراكة عبر فعاليات ومعارض مشتركة عززت التبادل الثقافي بين البلدين.

وتؤكد هذه المسيرة الممتدة أن العلاقات السعودية – الأمريكية ليست علاقة ظرفية، بل شراكة قائمة على الثقة والمصالح المشتركة، وتشكل إحدى ركائز الاستقرار الإقليمي والدولي. كما تعكس زيارة سمو ولي العهد الحالية إلى الولايات المتحدة تقدير الرئيس الأمريكي لمكانة المملكة ودورها المحوري.

وبذلك، تبقى هذه العلاقة واحدة من أهم العلاقات الدولية، ورسالة على استمرار التعاون السياسي والاقتصادي والدفاعي والثقافي بين البلدين لعقود قادمة .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى