البدوي… الجذور التي لا تموت
بقلم/ ناصرمضحي الحربي
حين نتحدث عن البدوي، فنحن لا نروي سيرة إنسان عابر في صحراء قاحلة، بل نستحضر ملامح هويةٍ ضاربة في عمق التاريخ. البدوي ليس مجرد ساكن خيمة، أو راكب جمل، أو متلحّف بعباءة، بل هو المدرسة الأولى في الحرية، والعنوان الأبرز للكرامة والشجاعة والإباء.
لقد صنع البدوي من الصحراء كتاباً مفتوحاً، يقرأ فيه معنى الصبر حين يعانق القيظ والزمهرير، ويستخلص منه دروس الكرم حين يشعل النار للغريب قبل القريب، ويُعلن من خلال حياته البسيطة أن الرجولة ليست في المظاهر، بل في المواقف.
البدوي هو الذي علّم الأجيال كيف تكون الكلمة وعداً لا يُنكث، والضيافة عهداً لا يُخلف، والوفاء خطاً لا يُمحى. في حياته صورة مكثّفة للصدق والفطرة النقية، حيث الإنسان متصالح مع ذاته ومع محيطه، لا يخشى العزلة ولا تغريه الزخارف
إن من ينظر إلى البدوي بعين الاستعلاء يخطئ مرتين؛ مرة لأنه يتجاهل أن البداوة هي الأصل الذي تفرعت منه حضارات العرب، ومرة لأنه ينسى أن المدن قامت على سواعد رجالٍ خبروا القسوة في الصحراء، وصاغوا من رمالها صلابة لا تنكسر.
البدوي هو ذاكرة الأمة، وحارس لغتها، وسادن قيمها. وإذا كانت العولمة تذيب الهويات في بوتقة واحدة، فإن البدوي هو آخر القلاع الراسخة، يذكّرنا بأن الأصالة ليست ترفاً، بل درعاً يحمي ملامحنا من الذوبان.
فلنرفع الصوت:
يا من تحتقرون البداوة، اعلموا أنكم تحتقرون جذوركم. ويا من تحاولون طمس هوية البدوي، تذكروا أنكم تحاربون الشمس في رابعة النهار

