الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

يهزم الإنسان بالأشياء التي يبالغ في حبها

بقلم/ ناصرمضحي الحربي

الهزيمة لا تأتي دائمًا من خصومك، ولا من مكائد الآخرين. أحيانًا، تأتي من قلبك أنت، من ذلك الشغف الذي جعلته أكبر من عقلك، ومن ذلك الحب الذي بالغت في تعظيمه حتى صار سلاحًا عليك لا لك.

كل إنسان لديه نقطة ضعف، وغالبًا ما تكون هذه النقطة شيئًا يظنه مصدر قوته: منصب يسعى للحفاظ عليه بأي ثمن، علاقة يتشبث بها حتى آخر رمق، فكرة يقدّسها حتى لو أثبتت الحياة خطأها، أو مال يطارد جمعه حتى يُستنزف عمره. الحب المفرط لأي من هذه الأشياء ليس دليل قوة، بل إعلان استسلام مبكّر.

حين تبالغ في حب شيء، فأنت تمنحه السلطة الكاملة على قلبك وعقلك. تجعله يحدد متى تفرح، ومتى تحزن، ومتى ترضى، ومتى تغضب. تتنازل عن معاييرك، وتغض الطرف عن الأخطاء، وتختلق الأعذار لما لا يُعذر، لأنك ببساطة لا تستطيع تخيّل الحياة من دونه. عندها، يتحول ما تحبه إلى قيدٍ من حرير، جميل المظهر، لكنه يخنقك ببطء.

تأمل كيف ينهزم البعض أمام سلطة المنصب، فيبيعون مواقفهم كي يحافظوا على كرسي زائل. أو كيف ينكسر آخرون أمام حبٍّ سام، فيبقون في علاقة تُهينهم، لأنهم يظنون أنهم لا يملكون بديلًا. أو كيف يحترق الطامح وراء المال، حتى لو كان الثمن كرامته وراحته النفسية. كلهم خاسرون، لأنهم سلموا قياد حياتهم لما يحبون بإفراط.

الحب بلا وعي، كالنار التي لا تُطفأ؛ قد تمنحك الدفء، لكنها إذا تُركت بلا حدود أحرقتك. القاعدة بسيطة: أحب، لكن لا تقدّس. تمسّك، لكن لا تستعبد نفسك. ضع حدودًا حتى لا يصبح ما تحبه هو من يملكك.

الهزيمة الحقيقية ليست أن يسقطك أحدهم، بل أن تسقط بنفسك أمام ما تحبه. والإنسان الذي يفهم هذا الدرس هو وحده القادر على أن ينجو من ألد أعدائه: قلبه حين يعشق بلا وعي

وأخيرا ، تذكّر أن ما تحبه اليوم قد يكون غدًا قبرك الذي تحفره بيديك. ليس كل ما يخطف قلبك يستحق أن يمنحك مفاتيح حياتك. الحب المبالغ فيه لا يقتلك دفعة واحدة، بل يسرقك قطعة قطعة حتى تصبح ظلًّا لما كنت عليه. لذلك، قبل أن تعطي قلبك لشيء، اسأله: هل ستبقى أنا، أم سأصبح عبدًا لك؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى