العاقل لا يفتش في العيوب
✍️ ناصرمضحي الحربي :
في عالمٍ تتشابك فيه العلاقات وتتقاطع فيه المشاعر، يبرز العاقل بميزته الأثمن: الحكمة في التعامل مع الناس، خصوصًا الأقربين. فهو لا يتصيد الزلات، ولا يفتش في خفايا العيوب، ولا يجعل من نفسه قاضيًا يحاكم النوايا أو يختبر صدق القلوب. لأن العاقل يدرك أن لا أحد كامل، وأن أقرب الناس إليه ليسوا معصومين من النقص أو الزلل.
العاقل لا يشهر عدسته على هفوات أحبابه ليكبرها، بل يحمل في قلبه رحمة تشفق، وحكمة تعذر، وخلقًا يجنب الآخرين مشاهد الحرج والخذلان. فبدل أن يُشهر سيف الشك أو يُطلق سهام التخوين، يختار أن يصون الصورة الجميلة لمن يحب، وأن يترك المساحات المظلمة بلا استفزاز أو اقتحام.
هو لا يختبر وفاء الناس كما تُختبر المعادن في النار، بل يمنحهم الأمان بأنهم ليسوا مطالبين بالإثبات الدائم أو التبرير المستمر. يفهم أن القلوب تأن وتتعب، وأن الود لا يُبنى على الشك، بل على الثقة والتغافل الكريم.
فقوام العلاقات الناجحة لا يقوم على المراقبة والترصد، بل على التغافل والتسامح. أن ترى الخطأ وتعرض عنه، أن تشعر بالألم وتكتمه، أن تملك الرد وتختار الصمت، لا ضعفًا، بل حفاظًا على ما هو أغلى: المحبة والصفاء.
العاقل كذلك لا يرهق أحبّته بالمحاسبة الدقيقة، ولا ينسى أن كل علاقة تحتاج إلى صيانة من نوع مختلف: التنازل أحيانًا، والصفح كثيرًا، والاحترام دائمًا.
ولذلك، فإن أجمل العلاقات هي تلك التي لا يُجبر فيها أحد على أن يكون مثاليًّا طوال الوقت، بل يُحب رغم عثراته، ويُصان رغم زلاته. وهذا ما يفعله العاقل: يحمي الود من أن يُكسر، ويصون القلوب من أن تُنهك، ويختار دائمًا أن يربح الإنسان لا الجدال.
في نهاية الأمر، ليس الذكاء أن تفضح الضعف، بل أن ترفق به. وليس العقل أن تنتصر في الجدل، بل أن تنتصر للود.