الأمير النائم.. حين يصبح الصبر طريقًا إلى الجنة
✍️ سلوى بن راشد الجهني :
في زوايا الحياة تختبئ قصص لا تُروى كثيرًا، لكنها تترك في القلب أثرًا عميقًا، وقصة سمو الأمير الوليد بن خالد بن طلال، والمعروف بـ”الأمير النائم”، واحدة من هذه القصص التي تتجسد فيها معاني الابتلاء، والرضا، والصبر الجميل.
من هو الأمير النائم؟
الوليد بن خالد بن طلال آل سعود، شاب سعودي من الأسرة المالكة، وُلِد في عام 1987م، وتعرض لحادث مروري مروّع في عام 2005م، حين كان يبلغ من العمر 18 عامًا أثناء دراسته العسكرية. هذا الحادث أدخله في غيبوبة طويلة امتدت حتى يوم وفاته، حيث قضى 19 عامًا في لا وعي، يُعرف طبيًا بـ”الغيبوبة الطويلة”.
ابتلاءٌ في زهرة الشباب
أن يفقد الإنسان صحته في قمة عمره ونشاطه هو من أشد أنواع الابتلاء، لكن الأشد منه أن تراه بين يديك حيّ الجسد، غائب الوعي، لا تدري متى يعود ولا إن كان سيعود، وهذا هو الحال مع الأمير الوليد. لم يزل قلبه ينبض، ولم تتوقف أسرته عن الأمل يومًا، بل بقي في منزل والده الأمير خالد بن طلال، تحت رعاية يومية ومتابعة طبية دقيقة.
قال والده ذات مرة:
> “لو شاء الله أن يتوفاه في الحادث لقلنا الحمد لله، لكن طالما أن قلبه ينبض فنحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، ولن نتخلى عنه.”
مشاهد من الصبر والثبات
رغم مرور السنوات، ظل والداه إلى جانبه، يتعهدانه بالرعاية، يزورانه يوميًا، يقرآن عليه القرآن، ويُناجيانه بالدعاء. لم يضعف الأمل في قلوبهم، بل ازداد يقينًا بأن الله إذا شاء أحيا العصب الساكن، ورد النفس الغائبة. وفي عدة مواقف وثّقتها عدسات الكاميرا، ظهرت عليه إشارات استجابة كتحريك الرأس أو الأصبع، وعلّق والده:
> “إنها رسائل من الله تثبتنا وتطمئننا أننا على طريق الحق والرضا.”
العبرة من حياته
قصة الأمير الوليد ليست حكاية مرض فقط، بل درس حيّ في الصبر على البلاء، وتجسيدٌ لمعنى قول الله تعالى:
> ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 155-156]
وفاة الأمير النائم.. نهاية الرحلة وبداية الخلود
في يوم السبت 19 يوليو 2025م، أُعلن خبر وفاة الأمير الوليد بعد 19 عامًا من الصبر والمكث في الفراش دون حراك. خيم الحزن على محبيه في السعودية والعالم العربي، لكنه كان حزنًا يكتنفه الرضا، فقد خُتمت قصة استثنائية من الثبات والرضا بقضاء الله.
في بيان نُشر من الأسرة:
> “انتقل إلى رحمة الله تعالى ابننا الوليد، بعد مسيرة من البلاء، قابلها بالصبر، وقابلناها بالتسليم، الحمد لله على ما قضى وقدّر.”
الصبر يورث المقام الرفيع
كان والده سمو الأمير خالد بن طلال نموذجًا في الوفاء، رافضًا وضع ابنه في مراكز رعاية طويلة الأمد، متمسكًا بأن يكون بقربه في كل يوم، إيمانًا بأن الله لا يضيع أجر الصابرين. وفي جنازته، قال والده بتأثر:
> “الحمد لله على قضائه وقدره… كنت أراه نائمًا في الدنيا، وسأراه بإذن الله مستيقظًا في الجنة.”
الرسائل الخالدة من هذه القصة
الصبر الحقيقي لا زمن له، فقد صبرت الأسرة 29 عامًا دون شكوى ولا يأس.
الأمل لا يُطفأ ما دام في القلب توكل على الله.
الوفاء العائلي في أبهى صوره، حين تختار أن ترعى من لا يراك، ولا يسمعك، ولا يردّ عليك.
البلاء نعمة خفية، يرفع الله به الدرجات، ويمتحن به القلوب المؤمنة.
خاتمة
قصة الأمير الوليد بن خالد بن طلال، لم تنتهِ برحيله، بل بدأت من جديد في ذاكرة الناس كواحدة من أعمق قصص الصبر في العصر الحديث. إنها تذكير لكل من يمر ببلاء، أن خلف كل محنة حكمة، وأن الله لا يبتلي إلا من يحب.
رحم الله الأمير النائم، وجعل مثواه الجنة، وكتب لأهله أجر الصابرين المحتسبين.