ادراكات في الزمن الجميل… لماذا نشتاق لما مضى؟
بقلم – فايل ألمطاعني
في زحمة الحياة وضجيجها، في زمنٍ بات فيه كل شيء سريعًا وعابرًا، تُفاجئنا قلوبنا بالحنين! نشتاق لأصواتٍ خفتت، لأماكن تغيّرت، ولأيامٍ مضت ولن تعود. نُسميها “أيام الطيبين”، لا لأنهم كانوا الأفضل دائمًا، بل لأن الحياة كانت أبسط، أدفأ، وأكثر إنسانية. فهل نشتاق فعلاً للماضي؟ أم نشتاق لأنفسنا كما كنّا فيه؟
ادراك اولي: الماضي الذي يسكننا
الماضي ليس مجرد زمن مضى، بل هو شعور يسكن الذاكرة والوجدان. نتذكّر ألعاب الطفولة، المجالس البسيطة، صوت الراديو عند الغروب، ابتسامة الجار الذي يعرف اسمك، ورائحة الخبز من بيت الجدة… تفاصيل صغيرة، لكنها صنعت عالمًا كبيرًا من الطمأنينة، نفتقده اليوم في عالم السرعة والضجيج. وأنا طفل، كنت أجمع أكياس التسوق الفارغة وأحوّلها إلى طائرات ورقية، أربطها بخيطٍ طويل وأركض بها في الأزقة الترابية، كأننا نحلق معها. حفاة القدمين، مشاكسون ببراءة، نعرف أن الغروب هو نداء العودة… لا ساعة ولا منبّه. كانت الضحكات صافية، والفرح يُصنع من لا شيء.
ادراك ثاني: حاضر بارد رغم الرفاهية
اليوم نعيش في زمن التقنية والرفاهية… نملك هواتف ذكية، بيوت واسعة، وقنوات لا تُعد ولا تُحصى. لكن، هل نحن أكثر سعادة؟ كثيرون يفتقدون جلسة “فناجيل القهوة” حول السمر، وحديثًا صادقًا بلا إشعارات، وقلوبًا خالية من الأقنعة. كأن شيئًا من إنسانيتنا تسرّب منا، ونحن نركض خلف الحداثة.
ادراك ثالث: لماذا نشتاق للماضي؟
لأن الماضي كان زمن العلاقات الصافية… كان الناس يُقاسون بقلوبهم، لا بعدد متابعيهم. الكلمة كانت تُقال بصدق، والمساعدة تُقدَّم بلا مقابل، والفرح بسيط لكنه عميق. نشتاق لتلك الأيام لأن فيها ما افتقدناه: الأمان الداخلي، العلاقات النقيّة، وراحة البال التي لا تُشترى.
ادراك رابع : هل الماضي أجمل فعلًا؟
قد يُقال إننا نُجمّل الماضي من نافذة الحنين… وربما هذا صحيح جزئيًا. الماضي لم يكن مثاليًا، لكنه كان صادقًا، لا مزيفًا ولا مشحونًا بالقلق.
ربما كانت الحياة فيه أصعب، لكن الناس كانوا أطيب، والقلوب أكثر سلامًا، والزمن أبطأ… ويكفي أننا لا نتذكّره بألم.
بصمة : ليست دعوة للرجوع… بل للتوازن
لا أحد يستطيع إعادة عقارب الساعة للوراء، لكننا نستطيع أن نُبطئ قليلاً… نُحيي الدفء في علاقاتنا، ونُطفئ ضجيج السرعة من حولنا. الماضي لا يعود، لكنه يُضيء لنا الطريق، ليذكّرنا أن الإنسان لا يحتاج إلى الكثير ليكون سعيدًا، بل إلى القليل من الصدق، والبساطة، والحنان.