عيد اللحمة.. من يضحّي بمن؟!
✍️ ناصرمضحي الحربي :
ما إن يقترب العيد حتى تبدأ العبارات تتطاير في المجالس مثل شرر الفحم تحت الذبيحة، وتسمع الصرخة الجماعية السنوية: “سوق الأغنام مولّع نار!”. وكأننا لا نعرف، أو كأنّ كل عام نحمل أملاً ساذجًا أن الخروف سيصبح فجأة “خروفاً وطنياً مدعوماً” يُصرف بالبطاقة التموينية، مع لحاف وسكين مجانية!
تذهب للسوق، تنوي أن تضحي عن نفسك وأهلك وأرحامك ومن في الأرض جميعاً.. لكن المفاجأة: “أقل من 2000 ما تلقى لك ضحية”! نعم، الضحية هنا ليست الشاة، بل أنت نفسك. تقف أمام الحظيرة تشعر وكأنك تقف أمام معرض سيارات، لا مزرعة ماشية. الفرق الوحيد أن السيارة تجي بخمس سنوات ضمان، بينما الخروف تجي معه خمس دقائق جري وركض وهروب!
تسأل الراعي:
ـ “بكم ذا الصغير؟”
يرد، وهو ينفث سيجارته بثقة التاجر العالمي:
ـ “هادا نعيمي، صك ضمان، بـ 2200، ومعاه تطعيمات وشهادة ميلاد!”
يا أخي، ما أبغى أزوج الخروف، أنا أبغى أذبحه!
ثم تأتيك النكتة الكبرى عندما يقول لك:
ـ “والله الأسعار نار لأن العيد قرّب!”
يعني بالعقل، هل نحتفل بالعيد أم نعاقب أنفسنا عليه؟ منذ متى صار اقتراب الطاعة سبباً لرفع الأسعار؟ هل الخروف يشعر بروحانية الموسم فيقرر أن “يرفع سعره” بنفسه؟
بل حتى الخراف تغيّرت، صار فيها ثقة وكبرياء، تمشي في الحظيرة وكأنها تقول:
ـ “ذبحوني من قبل؟ أنا دمّي VIP، ماني زي البقية، اللي يبيّني يدفع!”
أما صغار السن، فلهم رأي آخر في العيد. كان زمان “العيدية” تغطي مصاريف اللعب والمصاصة، اليوم قد يطلب منك ابنك العيدية لتشارك بها في “جمعية أضاحي”! تخيّل طفلًا عمره 8 سنوات يقول لك:
ـ “بابا، ما نقدر نذبح خروف هالسنة، بس ممكن نشترك مع جيراننا في رِجله؟”
أمام كل هذا الارتفاع الجنوني، لا نستغرب لو بدأ البعض يقدم عذرًا شرعيًا جديدًا:
ـ “ما ضحّيت هذا العام.. الأسعار كانت فوق طاقة البشر، والنية خالصة إن شاء الله!”
وفي الختام، نرفع الأكفّ، لا للدعاء، بل ربما للمفاوضة:
ـ “اللهم ارزقنا خروفًا بسعرٍ معقول.. لا هو سمين ولا نحيف، لا غالي ولا رخيص.. خروف وسط.. اللهم آمين!