الشراكة الخليجية-الأمريكية: مسيرة استراتيجية نحو الأمن والاستقرار والازدهار
الرياض – ناصرمضحي الحربي
ترتكز الشراكة الإستراتيجية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية على أسس راسخة من العلاقات المتينة والمصالح المشتركة، حيث ساهمت في تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، وأسست أطرًا تنظيمية لمجموعات عمل متخصصة لمتابعة التنفيذ في مجالات عدة، شملت السياسة، والدفاع، والاقتصاد، إلى جانب التعاون في مجالات الثقافة والتعليم.
وقد شهدت هذه الشراكة تطورًا نوعيًا منذ انطلاق أول قمة خليجية-أمريكية في البيت الأبيض بواشنطن في 13 مايو 2015، والتي ناقشت سبل تعزيز التعاون المشترك، والتطورات الإقليمية، والملف النووي الإيراني، والجهود الجماعية لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة. تلتها قمة كامب ديفيد في 14 مايو 2015، التي جمعت قادة مجلس التعاون والرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، حيث تم التأكيد على أهمية بناء شراكة قوية تشمل مجالات الدفاع والأمن، ومواجهة التحديات الإقليمية الجماعية.
وجاءت قمة الرياض في 21 أبريل 2016، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لتجدد الالتزام بالشراكة الإستراتيجية وتوسيع آفاق التعاون. واستعرض القادة خلالها التقدم المحرز منذ القمة الأولى، وأكدوا التزامهم بتعزيز قدرة دول المجلس على مواجهة التهديدات الأمنية، واحترام سيادة الدول، ودعم حل شامل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني استنادًا إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002.
وفي خطوة عملية لتعزيز القدرات الدفاعية، أعلن القادة التخطيط لتمرين عسكري مشترك في مارس 2017، وقرروا توسيع التعاون في الأمن السيبراني وتبني معايير مشتركة لحمايته، إضافة إلى إطلاق حوار اقتصادي على المستوى الوزاري، ضمن اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة في 2012.
تواصلت القمم الخليجية-الأمريكية بوتيرة فاعلة، حيث شهدت الرياض في 21 مايو 2017 قمة جمعت قادة دول المجلس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكدت مجددًا على التزام الطرفين بالشراكة الإستراتيجية، والسعي لإيجاد حلول سلمية للأزمات الإقليمية، ومواصلة التنسيق حول التحديات المشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وفي يوليو 2022، عُقدت “قمة جدة للأمن والتنمية” برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -ولي العهد رئيس مجلس الوزراء- وبمشاركة قادة دول المجلس، والولايات المتحدة، والأردن، ومصر، والعراق. وقد أكد القادة خلالها أهمية تعزيز التعاون في مواجهة تداعيات الأزمات العالمية، وتطوير مصادر الطاقة النظيفة، وضمان أمن الغذاء وسلاسل الإمداد، مع ترحيب الولايات المتحدة بدعم مجموعة التنسيق العربية للأمن الغذائي بمبلغ لا يقل عن 10 مليارات دولار، وتعهدها بتقديم دعم إضافي بقيمة مليار دولار للمنطقة.
وأشاد المشاركون في القمة بالتزام الولايات المتحدة بالشراكة مع مجلس التعاون، واستعدادها للعمل الجماعي لحماية أمن المنطقة والممرات المائية، وتعميق التعاون الاستخباري والدفاعي.
وفي استكمال لمسار الشراكة، عقد وزراء خارجية دول المجلس ونظيرهم الأمريكي اجتماعًا وزاريًا في سبتمبر 2024 بنيويورك، جددوا فيه التزامهم بالتعاون الوثيق، وبحثوا القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وضمان وقف إطلاق النار في غزة، وعودة النازحين، وإيصال المساعدات الإنسانية، ودعم جهود الوساطة.
كما شدد الوزراء على حماية الأماكن المقدسة، وضرورة التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأشادوا بدور “الأونروا” في تقديم المساعدات، مؤكدين التزامهم ببناء علاقات أوثق، خاصة في مجالات الدفاع والأمن.
وفي الجانب الاقتصادي، شهدت العلاقات الخليجية-الأمريكية نموًا ملحوظًا، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين 180 مليار دولار في عام 2024. ويُعدّ التعاون الدفاعي أحد أبرز ركائز الشراكة، ويتجسد في عمل مجموعات الدفاع الجوي والصاروخي والأمن البحري، التي تعزز الأمن الجماعي والاستعداد المشترك.
ومع استمرار التحديات الإقليمية والدولية، تنعقد القمة الخليجية-الأمريكية في الرياض غدًا لتضيف فصلًا جديدًا في مسيرة التعاون البناء، وتؤكد حرص القيادة الرشيدة -حفظها الله- على تعزيز الشراكة الإستراتيجية، انطلاقًا من رؤية خادم الحرمين الشريفين لتقوية العمل الخليجي المشترك وتفعيل الشراكات الدولية، بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
وتعد هذه القمة فرصة هامة لمناقشة التحديات السياسية والأمنية الراهنة، وتنسيق الجهود الخليجية-الأمريكية لمواجهة التهديدات، بما يعكس وحدة المصير وتكامل الرؤى، ويجسد نموذجًا فاعلًا للتعاون الإستراتيجي الإقليمي والدولي.