صاحبي أراد أن يعرف أسلوبي فبدأ بتحليلي
ناصرمضحي الحربي
لطالما كانت علاقتي بالكلمات أكثر وضوحاً من علاقتي بالبشر. أكتب لأنني أجد في الحروف مرآةً لروحي، لا تُجامل ولا تُخادع. لكن صاحبي – الذي ظن أنه يعرفني – قرر أن يغوص في أعماقي من خلال كتاباتي، أن يحلل شخصيتي، أن يفك شيفرة أسلوبي، وربما أن يفهم لماذا لا يعجبني “العجب” كما يظن!
قرأ مقالاتي كأنها رسائل سرية، تتبع نبرة السطور، وتوقف عند اختياري للكلمات، وكأنه يبحث عن “أناي” الحقيقية خلف كل نقطة وفاصلة. لفت نظره حزمي، حدّتي أحياناً، نفوري من المجاملة الزائفة، وشغفي بالحقيقة المجردة. ظن أنني صعب الإرضاء، وأنني لا أقبل إلا بالكمال، وأنني أتعامل مع المواقف والناس كما أتعامل مع النصوص: بتدقيق ومراجعة، وربما قسوة.
هو لم يكن مخطئاً تماماً… لكن الحقيقة أعمق من ذلك.
أنا لا أطلب الكمال، بل أبحث عن الصدق. لا يعجبني “العجب” حين يكون مظهراً بلا جوهر، ولا أصفق لكل ضجيج لمجرد أنه مرتفع.
أسلوبي صادق، واضح، مباشر، وربما لهذا ظنه صاحبي سيفاً لا يُغمد، أو نقداً لا يرحم. لكنه لم يدرك أن هذا الأسلوب ذاته يحمل بين طياته كثيراً من الاحترام، وكثيراً من المحبة المبطنة التي لا تجيد الزيف ولا التملق.
أنا أؤمن أن التعامل المهني يجب أن يكون نزيهاً، وأن الكلمة لها ثقل، وأن الكتابة مسؤولية، لا مجرد تسلية. ومن هنا جاءت اختياراتي، مواقفي، وحتى صمتي في بعض المواقف.
ربما أراد صاحبي أن يفهمني من سطوري، لكنه لم يكن بحاجة لذلك العناء. كان يكفيه أن يسألني، وسأجيبه بصراحة، كما أفعل دائماً.
لكنني لا ألومه، ففي زمن الأقنعة، من الطبيعي أن يبحث الإنسان عن الوجوه الحقيقية بين السطور.
ولعله الآن، بعد محاولته تلك، أدرك أنني لا أتعالى على “العجب”، لكنني فقط أُقدّر العمق… وأحترم المعنى.