حروف مبعثرة .. !!

لم يكن صباحا عاديا هذا اليوم .. عندما أتاني صديقي ( باكيا ) أفزعني .. سألته ما السبب في هذا الشعور المفاجئ … أجاب
في تلك المقابر ينام من كان يسكن قلبي … تذكرته فجأة وأنا أمر من هناك رغم أنه لم يغب عن ذاكرتي ولو لحظة ..
فقلت له كل عباد الله من الأموات يسكنون تلك المقابر ومثلها .. منهم الأب والأم والأشقاء والصديق والزوجة والأبناء .. لكل حيّ في هذه الحياة فقيد عزيز عليه ..
أردف بالقول .. صاحب ذلك القبر في منتصف المقابر عن ( الف حيّ ) كان لي السند والمعين الموجه الناصح الأمين الحريص عليّ كل لحظة من حياته وليس لي وحدي بل لكل من ولاّه الله مسئوليته من اسرتي …
صاحب ذلك القبر هو من كان يسكن قلبي أكثر من ألف حي .. بقامته شموخه عنفوانه سداد رأيه قوة تأثيره ثم اجهش بالبكاء جاثيا على ركبتيه وقال ( إنه أبي ) .. الذي رعاني وتعهدني بكل ما تعنية الكلمة من رعاية واهتمام حتى أصبحت رجلا .. وكأن الوعد الآلهي يختبر قدرتي على تحمل تلك الصدمة الموجعة والحادث الجلل .. وقد تركني منتقلا الى جوار ربه غيبه الموت الذي لا يستأذن منا أي حيّ فما أحوجني له الآن ..
سألته وأنت في هذا السن من الرشد قال … نعم .. ثم استقام امامي وقال ..
بعض الوجوه تبقى حاضرة ولو غاب أصحابها تحت التراب .. تبقى مسيطرة في كل تفكيرك حتى وإن غيبها ( المنون ) يبقى صوتها يلتج في جنبات تفكيرك وقلبك ومشاعرك ..
رحم والدي وكل أموات المسلمين واسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة .. هؤلاء الرموز في حياتنا لا نشعر بقيمتهم إلا عندما نفتقدهم .. نفتقد دفء حنانهم .. نصحهم توجيههم مشاركاتهم كل كبيرة وصغيرة ..
ثم امسك بساعدي وقال من لا تزال الأيام تسعفه بوجود والديه فهو في ( جحيم ) من النعيم يتفيأ ظلالها مادامت لهم الحياة وهي فرصة سانحة أن يفيهما حقهما وزيادة من الرعاية والسمع والطاعة في غير معصية الله ..
ودعني وبقايا أدمع في عينيه وهو يقول ( سلام على من جعل الغياب في نظري أثقل من الحياة في عدم وجوده ..
تسمرت مكاني بعد أن سمعت هذه الكلمة حاولت أن اذكره بجزيل الصبر والاحتساب وما أعده الله للصابرين المحتسبين .. واننا جميعا لمصيره سائرون .. لكن حالته التي كان عليها اسعفت خطاه أن يتوارى عني سريعا ..
رحم الله من فقدنا من الاصفياء والأحبة والأهل ونسأل الكريم بفضله ومنه وكرمه ان يجمعنا بهم في دار القرار على سرر متقابلين .. دمتم في حفظ الباري …

