” هل آن الأوان لإلغاء موافقة جهة العمل على الدراسة؟

بقلم: د. أحمد بن سعيد الغامدي
في خضم التغيّرات الكبرى التي تعيشها المملكة اليوم، وفي ظلّ تسارع برامج التحوّل الوطني، تتجه الدولة بكل وضوح نحو تمكين الإنسان السعودي، وبناء اقتصاد معرفي يقوم على المهارة قبل الشهادة، وعلى الإنتاجية قبل الإجراءات.
ومع هذا التحول، تبرز قضية تنظيمية ظلّت تُرهق آلاف الموظفين لسنوات طويلة، وهي: اشتراط موافقة جهة العمل على الدراسة.
لقد بُني هذا الشرط على منطق قديم، كان فيه غياب الموظف أو انشغاله بالدراسة قد يؤثر على ساعات العمل، في زمن لم يكن فيه تعليم عن بُعد، ولا برامج مسائية، ولا مرونة في الجداول.
لكن اليوم… تغيّر كل شيء.
*الإنسان أولًا… والنظام يجب أن يلحق به*
لا يزال كثير من الموظفين يعيشون قلقًا غير مبرّر؛ يخشون أن تفوتهم فرص القبول بسبب تأخّر “التوقيع”، أو يتردّدون في مواصلة تعليمهم خوفًا من مساءلة لا ترتبط بأدائهم، بل بقرار إداري قد يعتمد على مزاج أو رؤية شخصية.
وفي المقابل، يتضح من خلال التجارب والنماذج الحديثة أن الجهات التي تسمح لموظفيها بالدراسة هم أكثر إنتاجية، وأعلى كفاءة، وأشدّ التزامًا، لأنهم ببساطة يشعرون بأنهم شركاء في التطوير، لا موظفون محاصرون بالقيود.
*ما بعد “الموافقة”… نموذج الإفصاح*
إن التحوّل الحقيقي يبدأ عندما نتجاوز ثقافة الشكّ إلى ثقافة الثقة، ونستبدل شرط “الموافقة” بـ الإفصاح:
يُفصح الموظف عن دراسته، وتراقَب إنتاجيته، فإذا كان ملتزمًا بمهامه، فلا معنى لمنعه من تطوير نفسه على حسابه الخاص ووقته الخاص.
إن رأس المال البشري الذي تستثمر فيه الدولة اليوم يحتاج إلى أنظمة أكثر مرونة، وأكثر احترامًا لطموح الإنسان.
لا يمكن أن ندعو للعلم والتطوير، ثم نضع أمام الموظف أبوابًا مغلقة وسلالم طويلة من التوقيعات.
*أثر الإلغاء ليس فرديًا… بل وطني*
إلغاء هذا الشرط أو إعادة صياغته سيصنع نقلة وطنية حقيقية في عدة جوانب:
• ارتفاع نسبة المؤهلات العليا بين الموظفين.
• تحسن جودة الخدمات الحكومية بفضل كوادر أكثر فهمًا ومعرفة.
• زيادة الدافعية والولاء الوظيفي لدى العاملين.
• تقليل الفجوات الوظيفية ورفع جاهزية القطاعات.
• تحقيق رؤية 2030 التي جعلت الإنسان محورًا لكل التنمية.
فلا توجد دولة تنهض دون تعليم، ولا تعليم ينهض دون تمكين.
*القرار المنتظر*
لا شك أن جهات عدة بدأت بالفعل بتخفيف هذا الشرط أو التعامل معه بمرونة، لكن المأمول من منظور وطني أن يجري إعادة صياغة هذا المتطلب بشكل شامل، ليتماشى مع الحراك الحديث، ولينسجم مع رؤية المملكة التي تراهن على الإنسان قبل أي شيء.
هفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا لكنه يقترب من الإجابة:
هل نحن بحاجة إلى منع الموظف من الدراسة… أم أننا بحاجة إلى دعم قصص ه؟
الإجابة واضحة…
والرؤية أوضح…
والمستقبل يستحق أن نواكبه بأنظمة أكثر ذكاءً، وأكثر إنصافًا، وأكثر تقديرًا لطموح الإنسان.

