“سلامٌ داخلي من أجل تعليمٍ أكثر توازناً” “بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية 10 أكتوبر”
بقلم شيرين يحيى رمضان
في” العاشر من أكتوبر من كل عام يقف العالم ليتأمل ذاته في مناسبةٍ إنسانية راقية هي اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يؤكد أن سلام النفس هو أصل كل سلامٍ في الحياة. إنه يوم نعيد فيه الإصغاء إلى ذواتنا وإلى من حولنا، يومٌ ندرك فيه أن التوازن النفسي ليس ترفًا، بل هو حجر الأساس في بناء الفرد السويّ والمجتمع المتماسك.
وفي الميدان التربوي، حيث تتشكل العقول وتُبنى القيم، تتجلى أهمية الصحة النفسية بأبهى صورها، فالتعليم ليس تلقينًا للمعلومات فحسب، بل هو رحلة إنسانية عميقة يعيشها المعلم والطالب ووليّ الأمر معًا.
فكل فئةٍ منهم تحمل مسؤولية، وتواجه تحدياتٍ مختلفة لكنها جميعًا تحتاج إلى الدفء النفسي ذاته، وإلى من يذكّرها بأن النجاح يبدأ من الداخل من سلامٍ يسكن الروح قبل أن يزهر في السلوك والإنجاز.
وقبل أن نطالب بالتحصيل والإنجاز علينا أن نتوقف لحظة ونسأل: كيف حال النفس؟ ، كيف يعيش المعلم يومه بين الأعباء والتطلعات؟ كيف يواجه الطالب ضغوطه ومخاوفه؟، وكيف يتعامل وليّ الأمر مع قلق أبنائه واحتياجاتهم العاطفية؟
إنّ الإجابة الصادقة عن هذه الأسئلة تمثل الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعٍ تربويٍّ مزدهر بالصحة النفسية، قوامه الوعي والاحتواء والتقدير الإنساني.
فالمعلم هو بوصلة التوجيه ونبض المدرسة، لكن خلف ابتسامته الهادئة تختبئ مسؤوليات كبيرة وهموم يومية لا تُرى بين إعداد الدروس ومتابعة الطلبة وتراكم المهام فالمعلم على وجه الخصوص في حاجةٍ ماسّة إلى مساحة من الراحة النفسية تُعيد إليه توازنه وشغفه ، فالمعلم المتصالح مع ذاته هو الأقدر على منح طلابه الأمان، وعلى تحويل الصف إلى بيئة تُزهر فيها الطاقات وتُحتَضن فيها الأحلام. فالاهتمام بالصحة النفسية للمعلم ليس ترفًا تربويًا، بل هو استثمار حقيقي في جودة التعليم وفي استدامة العطاء الإنساني.
أما الطالب فهو مركز الاهتمام ومحور العملية التعليمية، لكنه أيضًا إنسانٌ يمر بتقلباتٍ نفسية تتأرجح بين رغبةٍ في التميز وضغوطٍ تثقل كاهله في صمت.
فحين يشعر بالأمان النفسي تُفتح أمامه أبواب الإبداع، ويتحول التعلم إلى رحلة حبٍّ ومعرفة. أما حين يُثقل بالتوتر والخوف من الفشل، فإن بريقه يخفت ولو كان نابغًا.
فعلينا أن نُعلّم أبناءنا أن التعبير عن المشاعر ليس ضعفًا، بل وعيٌ ونضجٌ وإنسانية ،وأن الحديث عن النفس قوة لا ضعفًا، وأن الراحة النفسية هي أول درجات التفوق الحقيقي.
و لكن في البيت تبدأ القصة، ومن وليّ الأمر تنطلق البذرة الأولى للصحة النفسية
، فحين يزرع الأباء في نفوس أبنائهم الطمأنينة، وينصتون إليهم دون قسوةٍ أو استعجال، فإنهم يمنحونهم أقوى سلاحٍ في الحياة و هوالثقة بالنفس.
فالعلاقة الصحية بين الأسرة والابن لا تُبنى على الأوامر فقط، بل على الحوار، والاحتواء، والحنان الصادق ، فكل كلمة طيبة تُقال في البيت، تُثمر طمأنينة في المدرسة، وتنعكس استقرارًا في المجتمع.
و لذلك فاليوم العالمي للصحة النفسية ليس مجرد تاريخٍ نحتفي به، بل وقفة وعي ومسؤولية تجاه أنفسنا ومن حولنا. فلنحتفِ به بتقدير الإنسان قبل المنهج، وبالعاطفة قبل التقييم، وبالاستماع قبل الحكم.
فحين ندعم المعلم معنويًا، ونصغي للطالب بصدق، ونحتوي أبناءنا في البيوت ؛ نصنع جيلًا متوازنًا قادرًا على العطاء بعقلٍ مستنير وقلبٍ مطمئن.
فالصحة النفسية ليست غاية بحد ذاتها، بل هي طريق نحو تعليمٍ إنسانيٍّ متكامل يزرع في النفوس سلامًا يدوم وضياءً لا ينطفئ.