الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

مشهد الانسحاب: غياب لا تُدركه الأسباب

 

بقلم : خلود إبراهيم السقوفي

ليس ثمة ما هو أكثر إرباكًا من تغيّر شخصٍ كنّا نظنه الأكثر وضوحًا وثباتًا.
ذلك الذي رأيناه ملاذًا حين تهتزّ الدنيا خِداعًا،
وتتشتّت السُبُل تحت أقنعة قد تقود إلى الهاوية.
رأيناه وطنًا حين عصفت رياح الكذب والغدر،
ثم فجأة… تخيب الظنون،
ويتبدّل إلى غريب، أو مجرّد عابر.
إلى صمتٍ لا يُفهَم،
وعزلةٍ لا تُستوعَب،
ووصلٍ لا تُدرَك حقيقته ولا تُقرأ ملامحه.
لكن من منظورٍ نفسي،
هذا التغيّر – غالبًا – لا يكون مقصودًا،
ولا يعني بالضرورة أننا لم نكن مهمّين أو أن مكانتنا قد تضاءلت؛
بل هو نتيجة لصراعات داخلية لم تُحسَم، وتجارب سابقة تركت أثرها،
ومعارك نفسية غير متكافئة لا نراها، لكننا نستشعر انعكاسها علينا

✦ الفقد الذي ينزف و لايموت !

تشير الأبحاث النفسية إلى أن الأشخاص الذين مرّوا بتجارب خذلان أو فقد عميق!
سواء من أقرباء أو أصدقاء
يميلون إلى تبنّي نمط ما يُعرف بـ “التعلّق التجنّبي” (Avoidant Attachment Style).
هذا النمط يتجلّى في سلوك الانسحاب عند الاقتراب العاطفي،
وبناء حواجز نفسية تحول دون الانخراط في علاقات جديدة.

يظهر الخوف من أي علاقة حتى مع اقرب الناس لهم يشعرون وكأنها تهديد،ويظلون يفكرون ما إذا فارقني ما إذا خذلني كيف إذ فقدته !
والاهتمام يُفسَّر كمؤشر خطر،
لذا يختار هؤلاء الأشخاص الانسحاب لا رفضًا،
بل دفاعًا عن أنفسهم من تكرار الألم القديم.وحماية لمشاعرهم المنهكة
وقد يشكّكون حتى في مصداقية من يُحسن إليهم، أو يهتم بهم
ليس لقلة الثقة بالآخر، بل لندوب نفسية لم تُشفَ بعد!.

✦ دوّامة تقلّب المزاج النفسي !

بعض الأشخاص لا يستقرّون عاطفيًا، ليس لخلل في علاقتهم بالآخرين ، بل لخللٍ في توازنهم الداخلي.
تشير دراسة منشورة في Frontiers in Psychology (2015) إلى أن الأفراد ذوي نمط التعلّق القلق أو المتناقض
يميلون إلى اختلال في تنظيم الانفعالات، ويُظهرون سلوكًا عاطفيًا متذبذبًا.مترددا غامضا وغريبا
فهم يبدأون علاقاتهم بحماس واندفاع،واهتمام
ثم يشعرون بالانطفاء المفاجئ دون سبب ملموس.فينسحبون

هؤلاء لا يعانون من قلة الاهتمام، بل من عدم القدرة على الثبات النفسي.
الاستقرار يُشعرهم بالتهديد،
ويبحثون لا شعوريًا عن بدايات متجددة كي لا يُواجهوا ما يعتقدون أنهم سيواجهونه !!
.
وهو ما يُعرف بـ “اضطراب التعلّق المتقلّب” (Disorganized Attachment)،
حيث يعاني الشخص من نزاع داخلي بين الرغبة في القرب والخوف منه.

هذا الاضطراب قد يجعل العلاقات غير المتوازنة نمطًا متكرّرًا،
وتظهر على شكل انسحابٍ مفاجئ، أوغياب غير مبرر،
رغم عدم وجود خلل حقيقي في العلاقات نفسها.

✦ الصراع الداخلي… حرب لا تنتهي

لا يصدر التغيّر دائمًا عن نفور أو رفض.
بل قد يكون مجرّد انعكاس لصراعٍ داخلي متأجج.
فالشخص لا يكرهك، لكنه لا يعرف كيف يضعك ضمن أولوياته .
يعاني من تردّد، وازدحام نفسي،
ويفتقر إلى المساحة الآمنة التي تسمح له بالوضوح .

في حالات كثيرة، يختار الانسحاب الصامت
تفاديًا لارتباك الحديث أو خشية من مواجهة لا يُحسن خوضها.
وهو سلوك دفاعيّ أكثر منه هجومي.

❖توازن وثبات :

من منظور علم النفس، فإن أوّل علامات التوازن
هي إدراك أن تغيّر الآخرين ليس بالضرورة نتيجة خطأ ارتكبته.
فقد ينسحب أحدهم وأنت في أقصى حالات حضورك وصدقك،
لأن داخله مُثقَلٌ بما لا تملك القدرة على إصلاحه فداخله لايزال يضج بالتجارب المؤلمة فتراه يبني أسوارا من الدفاع ليطمئن مع ذاته لا مع الآخرين
ولا يُفترض بك أن تحاول اقتحامه لأنك لن تستطيع!

فوراء هذا التغير تعقيدات داخلية لا علاقة لك بها.
لا تُحمّل نفسك ما لا طاقة لك به،
ولا تُفرط في التحليل والتأويل،
ولا تُقلل من قيمة عطائك وثباتك.

فمن لا يملك استقرارًا نفسيًا،
لن يُدرك معنى العطاء ، ولن يقدر تفاصيل الاهتمام
ولا يعرف كيف يقدّر الأمان… حتى إن صادفه!
فتجده يصرخ بصوت داخلي أنا خائف حتى من أكثر الأماكن أمانا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى