السعودية وفلسطين.. التزام تاريخي ورؤية نحو المستقبل
بقلم/ناصرمضحي الحربي- وقع الحدث
منذ فجر تاريخها الحديث، وضعت المملكة العربية السعودية القضية الفلسطينية في قلب وجدانها، لا باعتبارها قضية سياسية عابرة، بل بوصفها قضية حق وإنسان وعدل، تتجاوز حدود الجغرافيا لتصبح جوهر الضمير العربي والإسلامي. لقد آمنت المملكة، منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – أن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل قضية هوية ووجود، فكانت أول الداعمين وأصدق المناصرين.
على مدى العقود، ظلّت المواقف السعودية تتجدد مع كل ملك، لكنها لم تتغير في جوهرها؛ ثابتة كالنجوم، متقدة كالشعلة. ففي عهد الملك عبدالعزيز شارك أبناء المملكة مع الجيوش العربية دفاعًا عن فلسطين عام 1948، وفي عهد الملك سعود – رحمه الله – اتسع الدعم ليشمل احتضان الفلسطينيين ومنحهم فرص العمل والإقامة، تعزيزًا لمبدأ التضامن. ثم جاء الملك فيصل ليحوّل القضية إلى شأن إسلامي جامع، جامعًا كلمة المسلمين في قمة الرباط عام 1969 إثر حريق الأقصى، مؤكداً أن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم بل للمسلمين جميعًا.
وتواصلت المواقف في عهد الملك خالد، حيث عملت المملكة على توحيد الصف العربي والإسلامي، ليأتي الملك فهد ويخط ملامح مبادرة سلام تاريخية، تحولت إلى خطة عربية متكاملة في قمة فاس 1982، مرسخًا أن السلام العادل لا يقوم إلا على قرارات الشرعية الدولية. ثم أتى الملك عبدالله – رحمه الله – ليطرح مبادرته الشهيرة في قمة بيروت 2002، داعيًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مقابل سلام شامل، وهي المبادرة التي أصبحت لاحقًا مرجعًا دوليًا لا يمكن تجاوزه.
وفي السنوات الأخيرة، عزّز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – مركزية القضية الفلسطينية، حتى سُمّيت قمة الظهران 2018 بـ”قمة القدس”. ولم يكن ذلك مجرد شعار، بل التزامًا تُرجم بدعم مالي وسياسي، وبجهود دولية متواصلة لإبقاء القضية حيّة في ضمير العالم.
أما اليوم، ومع قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – فإن المملكة تكتب فصلًا جديدًا من تاريخها الداعم لفلسطين. فقد أسهمت في إطلاق “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”، وشاركت في صياغة “إعلان نيويورك” عام 2025 الذي تبنته الأمم المتحدة بأغلبية واسعة، مؤكدًا أن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لم تعد مجرد حلم، بل هدف يتعزز يومًا بعد يوم بإرادة الشعوب وإجماع المجتمع الدولي.
إن مسيرة المملكة مع فلسطين لم تكن يومًا مجرد بيانات سياسية، بل التزامًا عمليًا يتجلى في الدعم المالي والإنساني، وفي المبادرات السياسية، وفي الحضور الدائم على كل منبر دولي. لقد جعلت السعودية من القضية الفلسطينية حجر الزاوية لسلام الشرق الأوسط، ورأت أن أمن المنطقة لا يمكن أن يتحقق دون إنصاف الشعب الفلسطيني.
واليوم، وهي تقود مع شركائها الدوليين جهدًا حقيقيًا لتحقيق هذا الهدف، فإنها تجدد الدعوة للعالم أجمع: أن السلام العادل يبدأ من فلسطين، وأن الاعتراف بحقوق شعبها ليس منّة، بل واجب إنساني وتاريخي
وقع الحدث
ناصرمضحي الحربي
الثلاثاء- 1447/4/8