نجاح من خاصرة التحديات: قراءة في سيرة الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح
صدرَ عن المطبعة الوطنية في عمان بالأردن كتابٌ بعنوانِ “نجاح من خاصرة التحديات” لمؤلفِهِ الأستاذِ عبدالله بن محمد بركو. هذا الكتابُ، الذي يقعُ في 239 صفحةً من القطعِ الكبيرِ، هو في حقيقتِهِ كنزٌ من المعلوماتِ الثمينةِ، وغيضٌ من فيضِ سيرةِ الدكتورِ عبدالرحمن المشيقحِ ومسيرةِ عائلتهِ الكريمةِ. إنَّ ما بينَ دفتي هذا الكتابِ يتجاوزُ السيرةَ الشخصيةَ؛ فهو يقدمُ وقائعَ وحقائقَ تبيِّنُ كيفَ ورثَ الدكتورُ عبدالرحمن صفاتِهِ النبيلةَ من آبائِهِ وأجدادِهِ، الذينَ اشتهروا بالعلمِ والتجارةِ والخيرِ. إنَّ الملخصَ التالي هو إشارةٌ إلى بعضِ جوانبِ هذهِ المسيرةِ الحافلةِ، ولكن حريٌّ بمن أرادَ أن يتعلمَ ويطّلعَ على سيرِ الرجالِ العظامِ والأعلامِ أن يقرأَ الكتابَ كاملاً، فهو متوفرٌ في المكتباتِ ويستحقُّ كلَّ دقيقةٍ من وقتِ القارئِ.
نشأةٌ وتأصيلٌ: إرثٌ من العلمِ والتجارةِ
يغوصُ الكتابُ في تفاصيلِ نشأتِهِ بمدينةِ بريدة، مؤكداً أنَّ أولَ كتابٍ في حياةِ الدكتورِ المشيقحِ كانَ القرآنَ الكريمَ، بتشجيعٍ من والدهِ الوجيهِ عبدالله بن عبدالعزيز المشيقحِ، الذي كانَ يجمعُ بينَ أعمالِهِ التجاريةِ الواسعةِ وإمامتِهِ للمسجدِ. هذا الوالدُ الحكيمُ حرصَ على تعليمِ أبنائهِ في مسجدِ المشيقحِ وفي الكتاتيبِ في زمنٍ كانَ بعضُ الناسِ يتخوَّفُ فيهِ من التعليمِ النظاميِّ. هذهِ النشأةُ الدينيةُ والثقافيةُ أسستْ حبَّهُ العميقَ للقراءةِ والسيرةِ والتفسيرِ، وهي هوايةٌ لازمتهُ منذُ الطفولةِ وحتى اليومِ. وقد برزَ من هذهِ الأسرةِ العريقةِ العديدُ من الشخصياتِ والقاماتِ الوطنيةِ، ممنَ اشتهروا في التجارةِ والعلمِ، مما يؤكدُ أنَّ نجاحَهُ الاقتصاديَّ هو امتدادٌ لإرثٍ عائليٍّ طويلٍ في العملِ الدؤوبِ والسمعةِ الطيبةِ.
رحلةٌ أكاديميةٌ وعمليةٌ حافلةٌ
ويستعرضُ الكتابُ رحلتَهُ العلميةَ والعمليةَ، حيثُ أكملَ تعليمَهُ العاليَّ بحصولِهِ على بكالوريوس في علومِ كيمياءِ الحيوانِ من جامعةِ الملكِ سعودِ، ثمَّ ماجستير ودكتوراه في التربيةِ من جامعاتٍ أمريكيةٍ. بدأَ مسيرتَهُ التربويةَ كمعلّمٍ ومديرٍ للمعهدِ الفنيِّ الزراعيِّ ببريدة، وشارك في تطويرِ مناهجِ العلومِ للمرحلةِ الثانويةِ. وتجلتْ خبرتُهُ التربويةُ في كتابٍ صدرَ لهُ حولَ التعليمِ المهنيِّ والتقنيِّ في العالمِ العربيِّ. أما منصبُهُ كرجلِ أعمالٍ، فقد قادَ وأسّسَ العديدَ من الشركاتِ، أبرزُها شركةُ الوسائلِ الصناعيةِ، وكانَ عضوًا في مجالسِ إدارةِ أكثرَ من 24 مؤسسةً تجاريةً وتعليميةً وحكوميةً، منها رئاسةُ الغرفةِ التجاريةِ الصناعيةِ بالقصيمِ لثلاثِ دوراتٍ، ورئاسةُ جامعةِ المستقبلِ، وعضويةُ مجلسِ إدارةِ الخطوطِ الجويةِ العربيةِ السعوديةِ.
رجلُ مبادراتٍ وصاحبُ رسالةٍ
يُفردُ الكتابُ مساحةً واسعةً لإسهاماتِهِ على المستوى الوطنيِّ، فيُبرزُ دورهَ كعضوٍ سابقٍ في مجلسِ الشورى لثلاثِ دوراتٍ، وعضوٍ في مجلسِ منطقةِ القصيمِ، مما يعكسُ مشاركتَهُ الفاعلةَ في صنعِ القرارِ. كما يُسلطُ الكتابُ الضوءَ على سماتِهِ الشخصيةِ الفريدةِ، فهو موسوعيُّ الثقافةِ، غزيرُ المعرفةِ، شديدُ الذكاءِ، متواضعٌ، وكريمٌ. وقد أشارَ عنه الصحفيُّ عمادُ الدينِ إبراهيمُ بأنَّهُ “نموذجٌ للكاتبِ الشاملِ والمثقفِ المتكاملِ”. وتجلَّتْ رسالتُهُ في تفانيَهُ في خدمةِ المجتمعِ، حيثُ خصَّصَ جزءًا من ثروتِهِ لرعايةِ الأدبِ والشبابِ المتفوقينَ، وتشجيعِ الأنشطةِ الثقافيةِ والخيريةِ، واهتمامهُ الكبيرُ بحفظِ وتوثيقِ ونشرِ تراثِ مدينةِ بريدة.
شخصيةٌ نبيلةٌ لا تعرفُ الكرهَ
وفي وصفٍ لشخصيتِهِ، ينقلُ الكتابُ كلماتٍ للكاتبِ نزار عبد الخالقِ يصفُهُ فيها بأنهُ “لا يعرفُ الكرهَ والبغضَ إلى قلبهِ مسلكًا”، بل يسعى لغرسِ وتعزيزِ القيمِ النبيلةِ. ويعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، ويضعُ الأمورَ في نصابِها، ويثني على كلِّ محسنٍ في حضورِهِ وغيابِهِ. وتلكَ الصفاتُ ليستْ مستغربةً، فهي موروثٌ أصيلٌ من عائلةِ المشيقحِ الكريمةِ التي تتبوّأُ مكانةً كبيرةً في منطقةِ القصيمِ والمملكةِ. في نهايةِ المطافِ، يُعدُّ الكتابُ شهادةً على أنَّ الإرثَ الحقيقيَّ لا يكمنُ في الثروةِ والمناصبِ، بل في الأثرِ الطيبِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والمشاريعِ المستدامةِ التي تخدمُ الوطنَ والإنسانَ.