أشباه الحروب: تتسيد الموقف في العالم
بقلم ناصرمضحي الحربي
أشباه الحروب هي مصطلح يشير إلى مجموعة متنوعة من الصراعات التي تتسم بطابع غير تقليدي، بهدف تحقيق تأثير سياسي أو اجتماعي دون اللجوء إلى الحروب العسكرية التقليدية، يتميز هذا النوع من الصراع بوجود عناصر متعددة تشمل القوة الناعمة، الدعاية، التجسس، والتهديدات السيبرانية، مما يجعله أكثر تعقيداً وصعوبة في التعريف، والنقطة الأهم هنا هي أن أشباه الحروب لا تقتصر على النزاعات العسكرية بل تتضمن أيضاً صراعات سياسية واقتصادية وثقافية.
لقد تطور مفهوم أشباه الحروب منذ القرن العشرين، حيث أدت التغيرات العالمية إلى إعادة تشكيل كيفية النظر إلى الصراع ، ففي زمن الحروب الباردة، كانت الدول الكبرى تتنافس عبر حروب بالوكالة ودعم جماعات المتمردين في سبيل تحقيق النفوذ، ومع مرور الوقت، أصبح استخدام المعلومات والحرب الرقمية جزءاً لا يتجزأ من هذه الصراعات.
اليوم، تشمل أشباه الحروب النزاعات البيئية والاقتصادية التي تستخدم كأدوات للضغط على الخصوم أو المنافسين.
من عناصر هذا النوع من الصراعات أيضاً قدرتها على التحول والتكيف مع الأوضاع المستجدة، حيث يمكن أن تندمج في سياقات مختلفة، مما يجعلها تتجاوز الحدود الجغرافية، يتم استخدام أساليب غير مباشرة من أجل إرسال رسائل معقدة تسعى لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية بعيدة المدى.
وبالتالي، فإن أشباه الحروب تمثل تحدياً كبيراً لمفهوم الأمن القومي والاستجابة الدولية، حيث تصبح الأمور أكثر تعقيدًا من مجرد القدرة على حشد الجيوش أو التهديد باستخدام القوة العسكرية.
وتتعدد أشكال أشباه الحروب، حيث تنتمي إلى فئات متنوعة تشمل الحرب السيبرانية، الحرب الاقتصادية، الصراعات الإعلامية والنفسية، والصراعات بالوكالة.
تكشف هذه الأنواع عن طرق جديدة للتنافس والتأثير بين الدول، بدلاً من استخدام الأسلحة التقليدية، سنتناول كل نوع على حدة لنستعرض تأثيره على العلاقات الدولية والديناميكيات العالمية.
الحرب السيبرانية واحدة من أبرز هذه الأنواع، حيث تستخدم الدول تقنيات متقدمة لشن هجمات على الأنظمة المعلوماتية للدول الأخرى، تشمل هذه الهجمات تسريب المعلومات، تعطيل الخدمات، أو حتى التلاعب بالبيانات، التأثير هنا قد يكون عميقًا، حيث يمكن لعملية اختراق واحدة أن تزعزع الثقة بين الدول وتؤدي إلى تصعيد الأزمات.
أما الحرب الاقتصادية، فهي تتمثل في استخدام العقوبات والحصار الاقتصادي كأداة للتأثير، وتمثل هذه الحرب وسيلة مفضلة لتحقيق الأهداف السياسية من دون الحاجة إلى الأعمال العسكرية، مما يجعل أصحاب القرار يسعون دوماً لوضع استراتيجيات تضمن هيمنتهم الاقتصادية على المنافسين، التأثير الناتج عن هذه الحرب قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في التوازنات التجارية والسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الصراعات الإعلامية والنفسية جزءًا مهمًا من أشباه الحروب، تستغل الدول الإعلام لنشر الدعاية والتضليل، مما يساهم في تشكيل الرأي العام واستهداف الخصوم، في كثير من الأحيان، تسهم هذه الحملات في زيادة التوتر بين الدول وتعميق الانقسامات الاجتماعية.
كذلك تستخدم أشباه الحروب مجموعة متنوعة من الأدوات التي تتجاوز نمط النزاعات التقليدية، أحد أبرز هذه الأدوات هو الإعلان عبر الإنترنت، حيث يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام وتحقيق أهداف سياسية، تعتمد الجهات الفاعلة في الصراعات غير التقليدية على منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه الرسائل والمعلومات الدقيقة أو المضللة للجمهور، مما يؤدي إلى التأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية وتبرز هذه الاستراتيجية كوسيلة فعالة يستغلها الباحثون عن الهيمنة لتعزيز موقفهم في ساحة الصراع.
إلى جانب الإعلانات، يعد التضليل الإعلامي أداة أخرى رائجة في أشباه الحروب، يقوم الفاعلون بنشر معلومات مضللة أو مزيفة لخلق انطباعات خاطئة حول الأحداث أو الأشخاص المستهدفين، ويساهم هذا النوع من العمليات في زعزعة الاستقرار والفوضى، حيث يؤدي إلى تضليل الجماهير وبث الفتنة بين المجتمعات، باستخدام هذه التقنيات، يمكن للأطراف المتنازعة تعميق الانقسامات وزيادة التوترات، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على السياسة المحلية والعالمية بشكل كبير.
علاوة على ذلك، تعتبر التقنيات السيبرانية أداة حيوية في أشباه الحروب، حيث تشمل الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنى التحتية للدول كوسيلة لتعطيل عملها، تستفيد بعض الدول من هذه التقنيات لإلحاق الضرر بخصومها دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة، مما يجعلها وسيلة فعالة لإضعاف القوة التنظيمية والتكنولوجية للدول المنافسة، وفي هذا السياق، تبرز الحرب الاقتصادية كوسيلة داعمة تستغل التبادل التجاري والموارد الاقتصادية كأدوات للحصول على النفوذ، وهذا التنوع في الأدوات يؤكد على كيفية إعادة تشكيل الصراعات الدولية وطرق مواجهتها في العالم الحديث.
وتعتبر أشباه الحروب ظاهرة غير تقليدية تؤثر بشكل عميق على النظام الدولي وتوازن القوى بين الدول، من خلال عدم اعتمادها على الأساليب العسكرية التقليدية، وتخلق هذه الصراعات بيئة تتسم بالتغير المستمر الذي يتطلب من الدول إعادة تقييم استراتيجياتها السياسية والدبلوماسية.