كتاب الرأي

مكعبات خيال العقول تنمية لروح الفضول

 

عادة ما يكون الشخص الفضولي محادثا جيدا؛ فحيث إنه فضولی، فهو يحب البحث في كل شيء يحدث من حوله، وهذا يزوده بالكثير من الموضوعات التي يمكنه أن يتحدث عنها، وهذا لا يعني أنه خبير في كل موضوع، ولكن المحادثة تصبح أسهل عندما نعرف “شيئا بسيطا عن كل شيء ” و “كل شيء عن شيء واحد”. وهذا أشبه إلى حد ما بالذهاب إلى متجر محلى ممتلئ بالبضائع؛ ففى الغالب لا تكون لديه كميات كبيرة من أي شيء، ولكنه دائما ما يكون لديه كميات قليلة من الأشياء التي تحتاجها، وهذا جيد؛ حيث إنك لاتحتاج إلى شراء كميات كبيرة من شيء واحد.
تخيل أن أحد المتاجر يبيع مسامير فقط .. سيكون هذا رائعا عندما تحتاج المسامير، ولكنك لن تكون محظوظا إذا احتجت إلى خشب من طبقات رقيقة (أبلاكاش)، فيمكنك أن تجرى محادثة رائعة مع صاحب المتجر حول المسامير، ولكنك لا تستطيع محادثته حول أي شيء آخر، ولن ترغب في الذهاب لهذا المتجر كثيرا. وكلما زادت الموضوعات التي نضطر لسحبها من أرفف عقولنا، أضحت عملية بدء المحادثة أكثر سهولة، ولاينبغي علينا أن نكون خبراء في كل شيء، ولكن معرفة شيء عن كل شيء يساعد كثيرا في توفير المكونات اللازمة لإجراء المحادثة، وفي هذا الموضوع، سنعرف سبب أهمية تغذية روح الفضول قيمة، وكيفية تحفيزتلك الرغبة إذا لم تكن موجودةً فيك بشكل طبيعي.
الأطفال بطبيعتهم فضوليون، فإذا قضيت بعض وقتك مع أطفال في سن الرابعة، ستعرف كم مرة يسألون- لماذا؟ – وبفضل هذا الفضول، يستكشفون العالم من حولهم .. ويبدأ معظم هذا الفضول باللعب، باستخدام ” المكعبات والخيال .. والكلمات .. وأشياء مختلفة ” وتنمو خبراتهم بشكل معقد، ولكنهم يجدون السعادة في اكتشاف أفكار جديدة لديهم . وحيث إنهم يستمتعون بهذه الأنشطة، فإنهم يكررونها، !! ولا يجبرهم أحد على فعل هذا، ولكنهم يفعلونه من أجل المتعة المحضة. ويؤدي بهم هذا التكرار إلى الإجادة، التي تؤدي بهم إلى الإحساس بالإنجاز والثقة. وعندما يشعرون بالثقة، تتملكهم الرغبة في الاستمرار في استكشاف العالم من حولهم، وتبدأ الدائرة وتنتهي بالفضول.
ولكن ثمة خطر حقيقي – بالنسبة للراشدين – يكمن في الكفاءة. فعندما نفعل شيئا ما بشكل جيد، فإننا نفقد روح الفضول، ولسان حالنا يقول: إن الطريقة التي نفعل بها الأشياء ناجحة، إذن ما الذي يدعونا إلى الشعور بحافز قوى للتحدي أو الرغبة في فعلها بشكل مختلف ..؟ ويصبح فقدنا لروح الفضول أسوأ، بسبب التحديات اليومية التى تواجهنا في عملنا والأشياء التي تتغير دائما في بيئة العمل أو البيت. فهناك الكثير من الأشياء تحدث من حولنا، ونحن نبحث عن شيء ما يمنحنا الروتين والاستقرار، وغالبا ما يأخذ هذا شكل فعل الأشياء التي نعرف كيف نتقنها جيدا.
عندما قمت بطلاء احد غرف منزلي بمساعدة صديقي ابو ياسر ،- فعلنا هذا بأنفسنا – وقد استغرق هذا منا بعض الوقت، ولكننا كنا سعداء بالنتائج، غير أن الذي أثار دهشتنا على الرغم من ذلك كان رد الفعل الذي تلقيناه من بعض الناس، لقد كانوا يتعجبون لأننا فعلنا هذا بمفردنا ولم نطلب شخصا محترفا، حتى إن أحدهم قال لنا: ” لا أعرف من أين أبدأ إذا أردت أن أقوم بطلاء منزلي “.
وخطر آخر في التعقيد، لقد قمت مؤخرا بشراء أداتين جديدتين من أدوات المطبخ، وكان على ملصقاتهما تحذير صارم من أن أي أعمال إصلاح تتم فيهما لابد أن تكون من خلال شخص مختص ومؤهل، ويتضمن هذا التحذير أنه ليس باستطاعة من يمتلكون تلك الأدوات أن يصلحوها بأنفسهم.!! ومن المعتاد أن يحاول الناس إصلاح الشيء أولا، ويكون الاتصال بمركز الصيانة هو الملجأ الأخير، أما الآن فقد انعكس الوضع، وأصبحنا نتصل طلبا للمساعدة قبل أن نفحص الخلل بأنفسنا.
والفضول في أبسط صوره، هو ببساطة تناول شيء شائع من زاوية مختلفة. وليس من الصعوبة – من الناحية العملية – تنمية روح الفضول، فإذا كنت قد تركت روح الفضول لديك حتى أصبحت حالتها سيئة، فإن القليل من التمرينات العملية يمكنها إعادتها من جديد، مثل : تصفح المواقع الإخبارية وكذلك الصحف المحلية يوميا، واقرأ المقالات التي ترى أنها ممتعة ومفيدة، ولكن ألق نظرة سريعةعلى الأشياء التي لا تجذب انتباهك كثيرا، واكتب العناوين الرئيسية التي تلاحظها، واطرح على نفسك الأسئلة الأساسية وهي:
” من، وماذا، ومتى، وأين، وكيف، ولماذا ” واقرأ ما بين السطور وابحث عن الأسباب والدوافع، وهذا يعني أنك ستقرأ نفس الأشياء التي يقرأها الآخرون ولكنك سترى شيئا آخر. ابحث عن الأشياء الموجودة حولك، ولا تلاحظها عادة، خذ نزهة في أحد الشوارع في مدينة مزدحمة، واستمع إلى الأصوات غير الآدمية. فحتى لو كنت بالقرب من مكان مزدحم، يمكنك أن تستمع لصوت – الطيور- و عندما تسير في أحد الشوارع، حاول أن تتخيل ما يفكر به الأشخاص الذين يمرون بجوارك. راقب تعبيرات وجوههم، وحاول أن تتخيل كيف كان يومهم، وإلى أين يتجهون. وبينما تستكشف هذه الأشياء، اكتب ما تجده، ومن خلال تلك الملاحظات، ضع قائمة بالأسئلة التي لم تجد لها إجابات، وفي المرة التالية التي تجرى فيها محادثة مع أحد الأشخاص، قم بإثارة بعض هذه الأسئلة، وتعرف على وجهة نظره فيها. و عندما تشاهد التلفاز، اطرح الأسئلة الصحفية (من،وماذا، ومتى، وأين، وكيف، ولماذا) حول ما تراه، وتخيل أن الكتاب يعملون مع بعضهم البعض لتطوير نص للعرض، وفكر في نهايات مختلفة للأحداث الدرامية التي شاهدتها.
كن كطفل صغير واسأل “لماذا؟” مرارا وتكرارا، ولكن لا تستخدم هذه الكلمة ذاتها في المحادثة كثيرا، ولكن دع اسئلتك توجهك نحو الاستكشاف والمناقشة. إن هذه إحدى الأدوات الرائعة لتنمية الفضول، والحصول على المعلومات التي ترغب في الحصول عليها. و استكشف الحدود غير المرسومة لكل محادثة، واعمل بشكل واع لاكتشاف الأشياء التي لم تكن تعرفها في البداية.
هناك ثلاثة أوقات رئيسية يكون الفضول فيها في متناولك وهي: قبل المحادثة، وأثناء المحادثة، وبعدالمحادثة. طور روح الفضول لديك، وسيكون لديك إحساسك الخاص بالفضول في هذه الأوقات الثلاثة، وتذكرأنك تستكشف وأن هناك الكثير من الكنوز المخبأة، ومهمتك أن تكتشفها، ولكن إذا لم يكن قد خطر ببالك ذات مرة أن هذه الكنوز موجودة حتى، فلن تبحث عنها، ومن ثم فلن تكتشفها.
وها هو مفتاح النجاح في المحادثة: هب أن كل شخص تتحادث معه يعرف شيئا لا تعرفه أنت، فهذا أمرممتع، فاجعل هدفك أن تكتشف هذا الشيء. استكشف ردودهم لتفهم ما هو خلف هذه الردود، ولا ينبغي أن تكون لديك قائمة بالموضوعات في ذهنك؛ حيث إن الشخص الآخر هو المكان الذي ستكتشف فيه تلك الموضوعات، وإذا كان لديك فضول حقيقى لاكتشاف تفاصيل اهتماماتهم، فسيكون من السهل عليك إجراءالمحادثة.
__________________
*ناصرالحربي/القصيم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى