ميدان الحدث

تقرير : أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الاغتراب الأسري

أفراداً يتحركون بيننا ولا ينتمون إلينا  "تقرير خاص" وقع الحدث

من المتيقن أنه لا يخفى على شخص عاش في هذا العصر وشهد تطــوراته أن من أعظم أسباب التطور هي التقنية الحديثة، ومن المعلوم أنها تشتمل علـى جانبين أحدها إيجابي والآخر سلبي. من النواحي الإيجابية فيهـا هـي سـهولة الحصول على المعلومة في مختلف المجالات، وتيسير التواصل مع الأقارب المتفرقون في نواحي شتى ولكن هذا ليس موضوع بحثنا وإنما موضوعه هـو دور التقنيـة السلبي في الاغتراب الأسري فنسأله سبحانه التوفيق والسداد.

التمهيد :
لم تعد الأسرة العامل المؤثر الوحيد والأقوى في حياة أفرادهـا، بـل طرأت عليها عوامل قلصت من الدور الذي تلعبه في صياغة شخصيات من ينتمون إليها، ومن أهم هذه العوامل دخول وسائل التقنية الحديثة بما فيها من أجهزة الهاتف الجوال والكمبيوتر والألعاب الإلكترونية وغيرها ، وما تحويـه هـذه التقنيات من وسائل للتواصل الاجتماعي، ومغريات تدعو للانخراط بها بعيدا عن جو الأسرة والعائلة، فيصبح عضو الأسرة فردا غائبا عنها بروحه وفكره وإن تواجد بجسده، فلا يعرف فيم يفكر ولا أين يتجه بآمالـه وأحلامـه وطموحاته، أو مما يتألم وماذا يكره وما يحب. وقد تنامى وتزايد هذا السلوك في مجتمعنا حتى أصبح ظاهرة اجتماعية أطلق عليها العلماء المهتمون بالظواهر الاجتماعية “الاغتراب الأسري”

الأهمية :
إن الاغتراب الأسري الناشئ عن التقنية الحديثة يؤثر تأثيرا سلبيا عميقاً لا يقتصر على الفرد المعتزل عن أسرته، بل ويمتد إلى أسرته التي يسكن معها ومجتمعه الذي يحيط به، فهو بذلك مؤثر على ثلاث دوائر تتسع تدريجيا على النحو التالي:
1 – الفرد ذاته. ۲- دائرة الأسرة. 3- دائرة المجتمع.
وجميع هذه الدوائر الثلاث تنعكس المؤثرات التي تصيب دائرة منـها على الدائرة التي تليها كموجة مائية تستلم المؤثر أولها ثم تنقله إلى التي تليها في اتساع تلقائي.
وهذه المؤثرات لها جوانب سلبية تمثلت في صبغ شخصـية الفــرد بمفرزات التقنية الحديثة التي حلت كشريك دائم في الأسر والعـائلات بمـا تحمله من مفاهيم ومبادئ لا تنتمى إلى ما يعتنقه ديننا ومجتمعنا مـن قـيم سارقا منها أفرادها عقلاً وفكرا ووجدانا وإن استبقاهم جسدا وجثمانـا.
فأصبح لدينا أفراداً يتحركون بيننا ولا ينتمون إلينا، لانعرف مواطن الخلـل فيهم، فأصبحنا نتفاجأ بمن انتمى بفكره إلى جماعة إرهابية ثم انخرط فيهـا دون أن ندري، أو تبنى سلوكا منحرفا وأصبح أحد مروجيه، أو في أحسن الأحوال عاش في غياب عن المشاركة الإيجابية في حياتـه الخاصـة أولاً، ثم أسرته، وأخيرا مجتمعه (وجوده مثل عدمه).
وهنا بالذات أصبحنا نتيجة للاغتراب الأسري نعيش تفككا أسـريا تطور إلى أن أصبح تفككا اجتماعيا، مما خلق مجتمعا هشا ضعيفا سـهل الافتراس واهي المقاومة يعاني مرضا اجتماعيا يسمى “الاغتراب الأسـري” لابد من معرفة دور التقنية الحديثة في ظهوره، وأهم مؤثراته، كي نسعى إلى معرفة الحلول لعلاجه – بإذن الله – فأول الخطوات للعلاج تشخيص العلة، وهذا ما سنعمل عليه خلال صفحات البحث بتوفيق الله.

معتز محمد القويعي إعلامي وناشط اجتماعي يقول:
الاغتراب الاجتماعي هو مفهوم أكثر اتساعا يستخدمه علماء الاجتماع لوصف تجربة الأفراد أو الجماعات التي تشعر بالانفصال عن القيم والمعايير والممارسات والعلاقات الاجتماعية لمجتمعهم أو مجتمعهم لمجموعة متنوعة من الأسباب الهيكلية الاجتماعية ، بما في ذلك بالإضافة إلى الاقتصاد. أولئك الذين يعانون من الاغتراب الاجتماعي لا يشتركون في القيم المشتركة والسائدة للمجتمع ، ولا يندمجون بشكل جيد في المجتمع ومجموعاته ومؤسساته ، وهم معزولون اجتماعيا عن التيار الرئيسي، و وسائل التواصل الاجتماعي لديها القدرة على أن تصبح إدمانيه للغاية، ويجد معظم الناس أنه أصبح من الاضطرار بالنسبة لهم التحقق من هواتفهم كلبضع دقائق لمعرفة ما إذا كان لديهم أي إشعارات جديدة.
وقال – الإدمان حقيقي وقوي لدرجة أنه وجد أن الناس يعانون من نفس النوع من أعراض الانسحاب مثل مدمن المخدرات إذا كانوا غير قادرين على التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
جعل الفحص القهري لوسائل التواصل الاجتماعي التواصل وجها لوجه أمرا صعبا للغاية، يمكن لأفراد الأسرة التواصل مع بعضهم البعض عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من التحدث مع بعضهم البعض.
قد يقضي الزوج والزوجة وقتا بجانب بعضهما البعض ، لكن عقولهما منغمسة في الترفيه الاجتماعي الخاص بهما أثناء التمرير عبر خلاصتهما الفردية. هذا هو أحد الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على الزواج في مراحله الأولى.
نظرا لأن الناس يميلون إلى نشر أفضل أجزاء حياتهم فقط على وسائل التواصل الاجتماعي ، فقد يكون من السهل جدا تخيل أن هذا هو شكل حياتهم دائما.
هذا يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى جعل العائلات أو الأزواج غير راضين للغاية عن حياتهم ومواقفهم.
واحدة من أكثر الحقائق المحزنة لوسائل التواصل الاجتماعي هي أنها تمنح أولئك الذين يميلون إلى أن يكونوا غير مخلصين منصة أخرى لتطبيق هذه السمة السلبية وقد يقومون برعاية علاقات أخرى على الجانب الذي قد لا يكون لدى شريكهم فكرة عنه. من قبل ، قد تكون التغييرات في السلوك مؤشرا على وجود خطأ ما ، ولكن نظرا لأن السلوك الطبيعي للناس هذه الأيام هو الجلوس على هواتفهم طوال الوقت ، فلا شيء يبدو خاطئا.
واكد القويعي  ان تجنب وسائل التواصل الاجتماعي تماما يكاد يكون مستحيلا هذه الأيام قائلاً : نريد أشخاصا على وسائل التواصل الاجتماعي ، لكننا نريدهم أن يستخدموها بحكمة.

 

الى ذلك ،الدكتور ظافر عبدالله الشهري / جامعة الملك عبدالعزيز شاركنا التقرير قائلاً:
مع تقدم رقمنه المجتمع ، تم تعزيز العلاقة بين نمط الحياة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تصميم هذا التقدم لتبسيط التفاعل البشري مع تزويد مستخدميه بوظائف متنوعة مثل الترفيه والمشاركة والمجتمع وحتى التسوق.
على الرغم من أن شعبية وسائل التواصل الاجتماعي كانت فائدة كبيرة للمعلومات التي طارت وإلهام نمط الحياة ، إلا أنه ينبغي مناقشة بعض عيوب هذا التغيير الجذري من منظور مجتمعي.
وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي نفسها بمثابة تحسين تقني تم تطويره لتزويد مستخدميها بتواصل أفضل وحياة أكثر متعة عبر الإنترنت _ ومع ذلك ، فقد استعبدت مستخدميها نفسيا ، وأصبح المستخدمون ضحايا للمنتج الرقمي بدلا من وحدة التحكم الخاصة به مثل هذا الصراع ، الذي يقع على الجانب الآخر من الغرض الأولي عندما تم تصميمه ، يمكن تعريفه على أنه اغتراب دفع المقال موارد أكاديمية متعددة لتقديم توضيح لظاهرة “اغتراب وسائل التواصل الاجتماعي” وفي الوقت نفسه ، تطبيق العديد من الأدبيات المستعملة من عالم بارز في مجال ذي صلة لدعم حجته، يستكشف ظاهرة اغتراب وسائل التواصل الاجتماعي ثم يحاول تطوير الأسباب المحتملة وراء الاغتراب.
ويجب التأكيد على أهمية إدارة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث يحتاج الناس إلى استخدام أي استراتيجية ممكنة ولائقة للاستمتاع بتفاعلهم عبر الإنترنت بدلا من التحكم فيهم حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن ملاحظة الأهمية من الأجزاء التالية: فهي ترسم التعريف العام للاغتراب ووسائل التواصل الاجتماعي مع مناقشتها بشكل فردي لتقديم النقطة الرئيسية لاغتراب وسائل التواصل الاجتماعي.
يركز على العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدمها لمناقشة الصراع في عملية الاغتراب ، مع دعم كل حجة بالأدبيات ذات الصلة.
يبحث عن الظواهر وفي الوقت نفسه يبذل جهدا في تحليل السبب وراء ذلك.
في النهاية ، يوفر الإلهام والاستراتيجيات الممكنة للأشخاص الذين يعانون من اغتراب وسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن القول  أن يكون لوسائل التواصل الاجتماعي العديد من التأثيرات الإيجابية على حياتنا ومجتمعنا ، مثل:
تعزيز التواصل الاجتماعي والدعم. يمكن أن تساعدنا وسائل التواصل الاجتماعي في الحفاظ على الاتصال مع أصدقائنا وعائلتنا وكذلك مقابلة أشخاص جدد يشاركوننا اهتماماتنا وشغفنا.
يمكن أن تزودنا وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بالدعم العاطفي والتعليقات والتشجيع من الآخرين الذين يفهمون وضعنا أو تحدياتنا.
تعزيز التعلم والتعليم- يمكن أن توفر لنا وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية الوصول إلى ثروة من المعلومات والمعرفة ، فضلا عن وجهات نظر وآراء متنوعة.
يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضا تسهيل التعلم والتعليم من خلال تمكيننا من المشاركة في الدورات التدريبية وورش العمل والندوات عبر الإنترنت والبود كاست والموارد التعليمية الأخرى.
تعزيز الإبداع والابتكار- يمكن أن تلهمنا وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن أنفسنا بشكل إبداعي وفني ، وكذلك لاكتشاف أفكار وإمكانيات جديدة.
يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضا تعزيز الابتكار من خلال السماح لنا بالتعاون مع الآخرين ومشاركة عملنا وتلقي التعليقات وتحسين مهاراتنا.

رأي علم النفس حول الاغتراب الأسري
يعد الاغتراب الأسري الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر الظواهر النفسية و الاجتماعية التي تهدد أمن و حياة المراهق، لذا هدفت الدراسة لمعرفة مستوى الاغتراب الأسري الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظر الوالدين، و الكشف عن تأثيرها على سلوكيات عينة من مراهقي المدارس الأهلية بمدينة مكة المكرمة و البالغ عددهم (134) طالبا و طالبة من الصف الثالث المتوسط، و البحث عن الفروق في مستوى الاغتراب الأسري لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تبعا لمتغير الجنس (إناث، ذكور)۔ و اتبعت الباحثة منهج التصميم التتابعي التفسيري الذي يجمع بين المنهج الكمي و النوعي في جمع البيانات و تحليلها، و تم استخدام مقياس الاغتراب الأسري إعداد الباحثة (2020)، و توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج أبرزها : أن مستوى الاغتراب الأسري عند المراهقين تحقق بدرجة أقل من المتوسط، وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطي درجات العزلة الاجتماعية تبعا لمتغير الجنس لصالح الإناث، و توصلت الباحثة إلى انعكاس شبكات التواصل الاجتماعي على المشاركة الاجتماعية لدى المراهقين، و انخفاض في معدلات التفاعل الأسري من وجهة نظر الوالدين، و وجود تأثير سلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات المراهقين من وجهة نظر الوالدين، و بناء على نتائج الدراسة توصلت الباحثة إلى عدة توصيات منها، توعية الأسر من خلال عقد برامج إرشادية لحثهم على احتواء أبناءهم و مشاركتهم الحوار الأسري البناء.

كلمة وقع الحدث
إن واقعنا الملموس يؤكد أن التقنية الحديثة جزء لا ينفصل عن مجريات حياتنا اليومية وأن تأثيرها في العلاقات الاجتماعية والاتصالية بين أفــراد الأسرة ماثل أمامنا فيما أدى إليه من ضعف التواصل بينهم مما نشـأ عنـه ظاهرة الاغتراب الأسري فكان لابد لنا من إعادة استراتيجية التعاطي مـع مفرزات التقنية الحديثة للحد من آثارها في دعم ظاهرة الاغتراب الأسري أو غيرها من الظواهر التي أوهنت بنية الأسرة والمجتمع.
ومن أهم هذه الاستراتيجيات عودة الأسرة للإمساك بزمام الريادة في حياة أفرادها لصد غائلة الدخيل الذي يزرع في نفوسهم المبادئ التي تخالف ديننا وأخلاقنا، أو تميع هويتنا الثقافية وتهز الثوابت التي نشأنا عليها، ومـن آليات عودة قيادة الأسرة لأفرادها حرص الوالدين على الرعايـة الصـادقة لأفرادها، والتأكيد على التربية الدينية التي تشكل سياجا منيعا ضدا لأخطار المحيطة بنا، وزيادة مدة التواصل بين أفرادها بالجلوس معهم والسؤال عنـهم إذا لم يكونوا معنا، كما ينبغي لمؤسسات المجتمع الدينية والإعلامية أن تتآزر مع الأسرة في علاج هذه الظاهرة ببرامجها التربوية الهادفة، التي تكون سياجا في وجه ما يبث من انحرافات في فضاء الشبكة العنكبوتية.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى