محمد بن سلمان وحلّ الدولتين: رؤية واقعية للسلام
بقلم – ناصرمضحي الحربي
في لحظة فارقة من التاريخ الحديث، يطلّ اسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتباره أحد أبرز صانعي التحولات الدولية في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. لم يعد دوره مقتصراً على إعادة صياغة الداخل السعودي ضمن إطار “رؤية 2030”، بل تجاوزت بصماته إلى الساحة العالمية، حيث باتت الرياض قبلة نظر للعواصم الكبرى، وصوتاً مؤثراً في رسم خرائط المستقبل، خصوصاً في ما يتعلق بملف الشرق الأوسط الأكثر تعقيداً: القضية الفلسطينية وصياغة حلّ الدولتين.
عام 2025 يمثل لحظة اختبار كبرى. فالعالم يعيش تقلبات متسارعة: نزاعات جيوسياسية، أزمات طاقة، تحديات اقتصادية، وتحوّلات اجتماعية متشابكة. في قلب هذه الدوامة، تبرز السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان كحاضنة لخطاب مختلف، يجمع بين الواقعية السياسية وجرأة المبادرة. ليس غريباً أن تتجه الأنظار إلى الرياض وهي تعلن أن السلام في المنطقة لن يكون مجرد خيارٍ مؤجل، بل مساراً عملياً، وأن حلّ الدولتين لم يعد شعاراً دبلوماسياً يتردّد في المؤتمرات، بل خارطة طريق يُعاد صياغتها بدعم إقليمي ودولي متنامٍ.
اللافت أن الاعترافات المتتابعة من قِبل دول كبرى وإقليمية بدور السعودية لم تأتِ من فراغ. فهي وليدة جهد دبلوماسي مكثّف، وقراءة دقيقة لمعادلة القوة في المنطقة. محمد بن سلمان لم يطرح نفسه بوصفه “وسيطاً محايداً” فحسب، بل كقائد يسعى لبلورة نموذج جديد في العلاقات الدولية، يوازن بين مصالح اللاعبين الكبار، ويمنح الشرق الأوسط فرصة للانتقال من صراعاته الموروثة إلى حقبة سلامٍ واقعي وتنمية شاملة.
ومع كل ما يرافق هذا التحول من تحديات، فإن الصورة العامة تشي بأننا أمام ولادة “شرق أوسط جديد” يتجاوز لغة الشعارات. شرق أوسط يقوم على تحالفات براغماتية، ومشاريع اقتصادية عابرة للحدود، وأفق مفتوح للاستثمار في الإنسان قبل الثروات. وإذا كانت الرياض اليوم تشكّل قلب الطاقة العالمي، فإنها في أفق الغد تُرسم كقلب السياسة الجديدة التي تستند إلى مبدأ التوازن والاحترام المتبادل.
ليس من المبالغة القول إن خارطة الطريق التي تُرسم اليوم بإشراف مباشر من ولي العهد، تمثل نقطة انعطاف تاريخية تشبه في رمزيتها ما شهده العالم بعد انتهاء الحرب الباردة. الاختلاف هنا أن الفاعل العربي – ممثلاً بالسعودية – لم يعد على الهامش، بل في مركز اللعبة. وهي المرة الأولى التي تتحوّل فيها المبادرة العربية إلى مشروع دولي يتعامل معه العالم باعتباره واقعاً سياسياً لا يمكن تجاوزه.
وهكذا، من “اعترافات العالم” بدور السعودية إلى صياغة “حلّ الدولتين”، ومن رسم ملامح مستقبل جديد للشرق الأوسط إلى فتح أبواب الاستثمار في السلام، يقود الأمير محمد بن سلمان مساراً تحوّلياً لا ينحصر في حدود المملكة، بل يمتد أثره إلى جغرافيا أوسع. إنها صناعة تاريخ حي، يكتبه جيل جديد من القادة ويعيشه العالم بأسره