“إعلاميو” الهواتف الذكية: حين تغيب المهنية
مَن هو الإعلامي؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في زمننا الذي طغت عليه وسائل التواصل الاجتماعي. لم يعد الإعلام مقتصرًا على المؤسسات الرسمية والصحف العريقة، بل أصبح كل شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا ومنصةً اجتماعيةً يرى نفسه قادرًا على نقل الأخبار وصياغة الرأي العام. لكن هل كل من يصور يومياته، أو ينقل أحداثًا دون تدقيق، يستحق لقب “إعلامي”؟
الفرق شاسع بين الإعلامي الحقيقي وبين منتحل الصفة. فالإعلامي الحقيقي هو ذاك الذي يدرك قدسية الكلمة ومسؤولية المعلومة. هو ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو باحث عن الحقيقة ومحقق لصدقها. عمله يبدأ من فهم أبجديات المهنة، من صياغة الخبر بشكل دقيق ومحايد، إلى حضور المؤتمرات الصحفية والاستماع بوعي، ليتمكن من طرح الأسئلة الجوهرية التي تخدم الجمهور وتكشف الحقائق.
على النقيض، نجد منتحلي صفة الإعلامي. هؤلاء هم من يكتفون بنشر ما يروق لهم من أخبار، قد تكون زائفة أو مضللة، بهدف الشهرة أو التأثير السطحي. لا يملكون أدوات التحليل، ولا يتقنون فن الحوار، ولا يفهمون أهمية التحقق من المصادر. هم أشبه بالمصور الذي يلتقط صورة دون أن يفهم قصتها أو يعرف سياقها. يتجاهلون النزول إلى الميدان لصياغة تقرير حقيقي أو إجراء استطلاع رأي يعكس نبض الشارع، بل يكتفون باقتباس الأخبار الجاهزة وتقديمها كما هي، دون أي لمسة مهنية تكشف عن عمق فهمهم للموضوع أو قدرتهم على صياغته بأسلوب لغوي رصين. إن غياب القاعدة اللغوية السليمة والمفردات الغنية لديهم يفقدهم القدرة على إعادة صياغة الخبر بطريقة تناسب هوية الصحيفة أو المنصة الإعلامية التي ينتمون إليها، مما يجعلهم مجرد أبواق تردد ما يقال، لا عقولاً تحلل وتصوغ.
إن الفرق بينهما لا يكمن فقط في الأدوات، بل في الالتزام المهني والأخلاقي. فالإعلامي هو من يبني جسورًا من الثقة مع جمهوره من خلال المصداقية والمهنية، أما منتحل الصفة فهو يهدم هذه الثقة ويساهم في نشر الفوضى المعلوماتية. لا يمكن أن نساوي بين من درس وتعلم وتدرب، ومن دخل هذا المجال من باب الصدفة أو الشغف المفرط بالظهور. فالإعلام الحقيقي هو مهنة شاقة تتطلب التزامًا أخلاقيًا ومعرفيًا، وليس مجرد هواية يمكن أن يمارسها أي شخص. إن التمييز بينهما ضرورة ملحة لحماية مجتمعنا من التضليل وتكريس قيم المعرفة الحقيقية.