إنهم عظماء
هناك مفاهيم مغلوطة عن الإعاقة، ولتصحيح المفهوم أوجه الأنظار إلى أن العوق في النفس والفكر لا في الأجساد؛ قال تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، فمن يمتلك الحواس والأعضاء ولا يصل بها للحق، ولا يستدل بها على معرفة الله والطريق الموصل إليه؛ فهو المعاق حقاً؛ لأنه يمتلك الأدوات، ولكنه يختار بإرادته تعطيلها.
والإعاقة قد تكون مشاعر الخوف أو الكسل أو ضعف الإرادة، وليس فقد جارحة أو حاسة، يشهد على قولي الكم الهائل من تعطيل الأصحاء لقدراتهم!
أعزائي القراء:
من هذا المنطلق نحتاج أحياناً لمنصات يتحدث فيها ذوي الاحتياجات الخاصة، من أصحاب الهمم، وهم أناس نجحوا حينما كانت الظروف مهيأة؛ فكانوا مثار فخر، ومن ثم أصبحوا شعلة أمل لكل من أبصر طريقهم إلى النجاح كيف كان صعبًا، فنحن بحاجة لمثل هذا الإلهام وذاك الأمل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف بنى الإسلام عظماءً منهم؟
وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال أقول:
اتجه الإسلام إلى دمجهم في المجتمع، فعلمنا كيفية التعامل معهم، وحفظ الإسلام قيمتهم في الحياة، وإنسانيتهم وكرامتهم، فمصابهم لا ينقص منهم، ولا من حقوقهم شيئاً، فهم مكرمون، لهم من الحقوق ما لغيرهم، بل حفظ لهم حتى الحقوق المعنوية.
أن المعاملة لهذه الشريحة يجب أن تقوم على الاتزان والعدل، فبالتعامل العادل المتزن يؤخذ منهم ويعطون، وبهذا نصنع منهم مواطنين صالحين، منتجين ومسؤولين، ونظراتهم بنّاءة؛ وعلينا أن نؤمن بقدراتهم ونثق بهم ونوكل لهم القيام بالمهام، إذْ لا بد من أن نراهم أشخاصًا قادرين ومسؤولين، وفي الوقت ذاته لا ننكر وجودهم، ولا نتجاهل إبداعاتهم،
وللعلم: أن لذوي الهمم شرعت الرخص، وخففت التكاليف الشرعية، وبثت النصوص الدالة على جزاء وفضل الفاقدين الصابرين ونحوه، ومن الشواهد على هذا: دمجهم في المدارس والجامعات، وإقامة فعاليات ومؤتمرات لهم، حتى أصبحت تلك النماذج قدوة يحتذى بها في هذا المضمار، ويضرب بهم المثل في الإرادة وقوة العزيمة والتحدي، بل وتفوقت تلك النماذج في النجاح الساحق على كافة الأصعدة والمستويات، تفوقت على نماذج أخرى مثيلة لها لا تتمتع بأي عجز، وهو يعد نجاحاً ساحقاً وعظيماً، يجعلنا نشير إليهم بالبنان، ونرفع لهم القبعة احتراماً وتقديرًا على الصمود، فلا عجز حقًا مع الإرادة، فالتغلب على العجز والإصرار على تخطي العوائق هو صوت الأمل في النفوس المجابة لكل أشكال وأنواع اليأس، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
بقي القول:
لا عجز مع قوة الإرادة، ما دمتَ تسمو بذاتك؛ فأنت لست معاقًا أو فاقدًا للرعاية.
……………..
حصة بنت عبد العزيز
كاتبة و أديبة