الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

رحلة الإعلام من الأصالة إلى المجهول..

وقع الحدث: يقلم / ناصرمضحي الحربي

منذ أن بدأ الإنسان يدوّن صوته على الورق، كان الإعلام مرآةً للمجتمع وذاكرته، وسجلّاً للتاريخ الحيّ الذي يكتبه الناس كل يوم. في الماضي، كانت الكلمة تُولد من رحم المسؤولية، تُحررها أقلام تعرف معنى المصداقية، وتخضع قبل النشر لعينٍ تزنها بميزان المهنة والشرف. كانت الصحف تُقرأ بشغف، والإذاعة تُجمع حولها الأسر، والتلفزيون نافذة تفتح على العالم بصدق ووقار. لم يكن الإعلام مجرد وسيلة، بل كان رسالة تحمل ضمير الوطن وتعبّر عن نبض الناس.

غير أن التحول الرقمي غيّر المشهد كله. دخلت التقنية على الخط فاختلطت الأصوات، وظهر “الإعلام الجديد” بوجهه السريع المتقلب. لم تعد المعلومة حِكراً على الصحفي، ولا الصورة وقفاً على المصور، فكل هاتف ذكي صار وسيلة بثّ، وكل حساب شخصي منصة. ومع هذا الانفتاح الهائل، تراجعت المعايير، وضاعت الحدود بين الخبر والرأي، وبين الحقيقة والزيف. أصبح السبق أهم من الدقة، والمشاهدات أغلى من المصداقية، حتى فقدت الكلمة بعضاً من هيبتها الأولى.

اليوم، يقف الإعلام عند مفترق طرق حاسم. التقنية تتقدم بسرعة مذهلة، والذكاء الاصطناعي يكتب الأخبار ويحررها، بينما الإنسان يلهث للحاق بإيقاع لا يهدأ. ومع كل هذه التغيرات، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن أن يظل الإعلام حارساً للحقيقة في زمنٍ تصنع فيه الخوارزميات المزاج العام؟

الإجابة لا تكمن في رفض المستقبل، بل في استعادته بروح الماضي. فالإعلام الذي نحتاجه اليوم هو ذاك الذي يوظف التقنية لخدمة المعلومة لا لتزييفها، ويستثمر الذكاء الاصطناعي دون أن يتنازل عن الذكاء الإنساني. إعلامٌ يعود إلى جوهره الأول، إلى القيم التي قامت عليها مهنة الصحافة: الأمانة، والدقة، والوعي.

الإعلام ليس مجرد صناعة أو وسيلة ترفيه، بل هو وعيٌ جماعي ومشروع وطني. وحين يتقن الجمع بين أصالة الأمس وتحديات الغد، سيكون قادراً على عبور الزمن، دون أن يفقد هويته ولا صوته. فالأصالة ليست قيداً على المستقبل، بل جذرٌ يمنح الإعلام قدرته على البقاء، مهما تغيّرت أدواته أو تبدلت وسائطه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى