ازدواجية الخطاب حين تتحول المصالح الشخصية إلى معيار للنقد
بقلم : سلمان محمد الفليو الشراري
لم يعد خافيًا على أحد أن بعض الأصوات التي تتصدر المشهد بين الحين والآخر لا تنطلق من حرصٍ صادق على المصلحة العامة، بقدر ما تعكس مصالح شخصية ضيقة، تتبدل بتبدل المواقع والوجوه.
فما إن يتولى قريب أو أحد أبناء الجماعة منصبًا في جهة خدمية أو صحية، حتى تتبدل النبرة فجأة، ويعمّ الصمت، وينقطع النقد وكأن المشكلات قد زالت بين ليلة وضحاها. أما إذا كان المسؤول من خارج الجماعة، فإن ذات الأصوات ترتفع صراخًا، وتُغلف مواقفها بغطاء “المصلحة العامة”، بينما هي في حقيقتها لا تعدو كونها حسابات شخصية.
ولعل أوضح مثال على هذه الازدواجية ما جسدته شخصية أبو زنيفر في مسلسل طاش ما طاش، التي كانت تُكثر من الشكوى والانتقاد، لا من باب الغيرة على المصلحة، بل من باب إرضاء الذات والسعي وراء المكاسب الشخصية. فقد عُرف أبو زنيفر بأن شكاواه في حقيقتها شكاوى كيدية، هدفها تصفية حسابات ومصالح ضيقة.
والأدهى من ذلك أن بعض هؤلاء لا يكتفون بالشكوى، بل يوهمون المسؤول بوجود مشكلات مفتعلة، حتى يُصبح هو نفسه منفذًا لسياسة “أبو زنيفر”. ومع الوقت، تتحول هذه الأوهام إلى قنابل موقوتة تنفجر في وجه المسؤول، وتخلق له مشكلات أكبر لم تكن موجودة أصلًا.
واليوم، لم يعد لمثل هذه الممارسات أثر يُذكر، إذ أصبحت الدولة محكومة بلوائح وأنظمة واضحة، متى ما طُبقت فلن يكون للشكوى الكيدية أي فائدة. فالدولة – حفظها الله – قامت على العدل والإنصاف، ولا يُظلم عندها أحد، وإنما يُؤخذ الحق بالأنظمة، لا بالصوت المرتفع ولا بالمصالح الشخصية.
إن ما تشهده المملكة اليوم من تطور عمراني وخدمي وصحي إنما هو ثمرة توجيهات ولاة الأمر ورؤية طموحة تسعى لبناء المستقبل، وليس نتاج محاباة أو مصالح فردية. لكن هذا النموذج من الخطاب المزدوج يُسيء إلى العمل المؤسسي، ويشوّه صورة النقد البنّاء الذي نحتاجه جميعًا لدعم مسيرة الإصلاح والتطوير.
إن ازدواجية المواقف، وتلوّن الخطاب بحسب المصالح والقرابة، هو شكل من أشكال الفساد لا يقل خطورة عن الفساد المالي والإداري، لأنه يكرّس ثقافة الانقسام ويغذي بيئة التذمر الوهمي. والمجتمع اليوم أكثر وعيًا من أن ينخدع بهذه الممارسات، إذ أصبح معيار التقدير هو الإنجاز الفعلي لا الشعارات ولا القرابة.