حين يلتقط القلب صورة
بقلم: ناصر مضحي الحربي
في زمنٍ تتسابق فيه عدسات الهواتف والكاميرات لالتقاط المشاهد، وتفيض فيه الصور على شاشاتنا حتى تختلط الأهمية بالهامش، تبقى هناك عدسة لا يراها أحد… عدسة القلب. هذه العدسة لا تُصنع من زجاج مصقول، ولا تُبرمج على مقاييس الضوء، لكنها تحفظ ما يعجز عن حفظه أي جهاز، وتلتقط ما يتجاوز حدود البصر إلى عمق الإحساس.
كم مرة مررنا بمشهد عابر — شارعٌ قديم، غيمةٌ وحيدة، نظرةٌ صامتة — فشعرنا أن قلوبنا هي من التقطته، لا أعيننا؟ تلك اللحظات لا تبحث عن الجمال البصري، بل عن أثرٍ يوقظ فينا الحنين أو الدهشة أو الطمأنينة.
القلب لا يهتم بدقة الألوان أو نقاء الصورة، بل يهتم بما يبقى حين يبهت كل شيء: رائحة المطر الأولى، لمسة يد ترتجف، صمت طويل على طاولة مقهى. هذه الصور تُخزَّن في أرشيف داخلي، لا يضيع مع عطل الجهاز ولا يُمسح بضغطة زر.
وفي عالم يركض خلف العناوين العاجلة، تصبح هذه الصور القلبية فعل مقاومة للنسيان، وللاستهلاك السريع للحظات. إننا لا نحيا بالأيام والسنوات، بل بالصور التي احتفظ بها القلب، ورفض أن يتركها للزمن.
لذلك، أفسح المجال لعدسة قلبك أن تعمل… التقط بها، واحتفظ، فربما يأتي يوم تحتاج فيه صورةً، لا تجدها إلا في أرشيفك الداخلي