السعودية في موسم الحج 1446هـ: وطنٌ يهمس بالإيمان ويصنع الفرق
✍️ ناصرمضحي الحربي :
عندما تهمس السماء دعاءً، وتبتهل الأرواح رجاءً، تتجه القلوب صوب الحرمين، حيث تتجلى المعاني الكبرى في أبهى حللها، وتغدو المملكة العربية السعودية، أرض الرسالة ومهد الحضارة، مسرحًا لأسمى صور الخدمة والكرم والبذل.
وفي موسم حج 1446هـ، لم تكن المملكة مجرد مستضيفة لضيوف الرحمن، بل كانت قلبًا نابضًا بالحب، وعقلًا يدير أعقد التفاصيل بدقة وإبداع. كانت كما عهدها المسلمون، وطنًا لا يعرف المستحيل حينما يتعلق الأمر بالحج، الركن الخامس الذي تهفو إليه القلوب، وتتسابق إليه الأرواح من كل فجٍّ عميق.
في لحظة مفعمة بالإيمان والمسؤولية، أكّد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – أن المملكة سائرة على درب التميز في خدمة الحجيج. لم تكن كلماته مجرد تصريح عابر، بل وعدًا نابضًا بالولاء والإخلاص، امتدادًا لمسيرة بدأها الأجداد، وتعهّد بها الأبناء بكل شرف وفخر.
قالها سموه بثقة القائد:
“ما شهدناه من نجاح متواصل في خدمة ضيوف الرحمن، يأتي نتيجة لجهود دولتنا المباركة.. وسنواصل بذل جميع الجهود لتوفير سبل الراحة لضيوف الرحمن.”
تحت هذه الراية، تحولت الأحلام إلى منجزات، والخطط إلى واقع ملموس، يشهده العالم ويراه بأمّ عينه.
ففي موسم حج هذا العام، لم تكتفِ المملكة بتوفير الأمن والسكينة، بل أضافت إلى سجل إنجازاتها بصمة رقمية مشرّفة. أطلقت منصة “نسك”، هذه المعجزة التقنية التي جمعت أكثر من 130 خدمة بلغات متعددة، لتكون بوابةً رقمية يسلكها الحاج نحو الراحة والطمأنينة، دون تعقيد أو عناء.
وكانت الأرض نفسها شريكة في هذا العطاء؛ حيث ظُللَت المسارات، وزُرِعَت آلاف الأشجار، وجرت المياه في شرايين المشاعر، بملايين الأمتار المكعبة، لتكون الرحلة المقدسة مفعمة بالحياة والسكينة.
ومن السماء، حيث تحلق أكثر من 7000 رحلة جوية، إلى الأرض التي تنقل عليها 20 ألف حافلة، وإلى السكة التي تعبرها عشرات الآلاف من رحلات القطارات، كانت الحشود تتحرك كخلية نحل، ينساب ضجيجها في طمأنينة، نحو الله، محاطةً بعناية لا تنام.
وفي خضم هذا التجمّع العظيم، لم تُنسَ الصحة، ذلك الهمّ الدائم الذي يسكن قلب كل حاج. بل كان لها نصيب الأسد من الرعاية، عبر أكثر من 150 ألف خدمة طبية، وطائرات “درونز” توصل الدواء، وذكاء اصطناعي يرصد ويراقب، في تناغم بين الإنسان والتقنية، من أجل سلامة الأرواح.
أما مشهد التطوع، فكان من أبهى صور العطاء الإنساني؛ أكثر من 5700 متطوع ومتطوعة، يتحدثون بـ 12 لغة، ينتشرون في أرجاء المشاعر، يمدّون الأيدي، يرسمون الابتسامات، ويقدمون أجمل ما في النفس من حبٍّ وخدمةٍ وإخلاص.
وفي قلب المشاعر، تقف منشأة الجمرات كتحفة تنظيمية، تستوعب ما يزيد عن 300 ألف حاج في الساعة، تتحدى الزحام، وتعيد تعريفه، ليس كعائق، بل كتحدٍ تتقنه المملكة بكل جدارة.
إن كل هذا المشهد المهيب، من الخدمات الرقمية إلى الرعاية الطبية والبيئية، هو انعكاس حيّ لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – وهو تطبيق حيّ لرؤية المملكة 2030، التي لم تكن حُلُمًا يُنتظر، بل واقعًا يُصنع كل يوم على أرض الحرمين.
في موسم الحج، لا تكون المملكة مجرد وطن، بل تتحول إلى وطنٍ للعالم، إلى حضن للقلوب التائهة، ويد تمسح عن الأرواح عناء الطريق، وابتسامة تزرع الطمأنينة في قلب كل قادم.
وهكذا تبقى السعودية، كما كانت دومًا: رفيقة النور، وضيفة الإيمان، وخادمة الحرمين الشريفين بكل فخر واعتزاز.